(8/10) فظائع الانتهاكات

تحقيق: أسماء ميكائيل اسطنبول
منذ انقلاب 25 أكتوبر، وحتى لحظة كتابة هذا التحقيق نجد أن هناك جهات من المنظومة الأمنية لازالت تمارس انتهاكات ضد الثوار الذين خرجوا من أجل التغيير، سواءً أكان ذلك بتعليمات أو لا، ونتج عن تلك الانتهاكات إصابة العديد من الشباب بعاهات جسدية والبعض الآخر مازال يعاني وآخرين فقدوا حياتهم، ورغم ذلك لم يثنهم العنف أو يضعف من مسيرة نضالهم، بل زادهم قوة وعزيمة، لأن هنالك عهد قطعوه بينهم ورفاقهم الذين فقدوا حياتهم من أجل التغيير والحياة الكريمة.
التعب والصداع المستمر
وبعدها التقيت بإحدى الأمهات كما يطلق عليها الثوار ماما (ه. ا. م) وهي تمثل ماما حقيقية للثوار، حيث تجدها قبل انطلاق الموكب وحتى آخر ثائر وطيلة هذه الساعات تجدها جالسة بإحدى المستشفيات وتقوم برصد حالات الإصابة وتسجل الأسماء وتساعد الأطباء في توجيه الإصابات المندفعة من الموكب تجاه المستشفى أين تذهب، فعندما سجلت لها زيارة في مكان عملها وجدتها مفترشة الأرض مستلقية على ظهرها قالت: يا بنتي من التعب والصداع المستمر.
الشهيد بابكر
وواصلت حديثها: أمس، كنت في تأبين الشهيد بابكر كأنه توفي للتو، قالت بنبرات مليئة بالحزن ذات الألم والوجع والقهر والدموع ثم استغفرت قائلة: ربنا يتقبَّلهم قبولاً حسناً، ففي التأبين كل امرأة أو فتاة تسأل الأخرى هل يقرب لك بشئ، والكل يقول جمعتنا القضية الواحدة، أما هذا الصداع عند كل موكب وقبل الخروج بيوم أُصب بهذا الصداع ولا يفارقني حتى انطلاق الموكب وعودة الثوار.
عمر 11 و13
طلبت منها أن تحدثنا عن الانتهاكات التي تحدث للثوار وأن تصف لنا شعورهم؟ ردَّت: قبل كل شئ أتمنى أن يكون الاشتباك وسيلة وليست غاية، بيد أن هنالك أعمار صغيرة تخرج في المواكب عمر 11 و13 سنة، وهم أصلاً لم يستوعبوا شيئاً ولابد من الأمهات أن ينتبهوا لهؤلاء الأطفال، ممكن يقفوا ويهتفوا، ولكن كما أسلفت (الاشتباك وسيلة وليست غاية) ونحن بالجد لا نريد الاشتباك لأنه ضيَّع الكثير من الشباب والبلد في حاجة لهم.
وضعهم المادي
ثم أضافت قائلة: ومعظم الثوار الطالعين وضعهم المادي سيئ والأطباء والمسعفين لم يقصِّروا يقمون بالواجب ومتابعين الإصابات أولاً بأول، ملاحقتهم من أجل الذهاب للعلاج ومقابلة اختصاصي وحتى رفاقهم وزملاء المواكب تجدهم يد واحد ومتابعين حالات بعضهم البعض.
حرارة قلب
ثم قالت وهي تقسم: والله هؤلاء الشباب رجال حقيقيين وقلبهم حار تجدي أحدهما لا يمتلك جنيهاً من المال وفي ذات الوقت يصر بأن يعالج رفيقه وبأي شكل كان، ومن المشاكل التي تواجهنا عند دخول ثائر للمستشفى من أجل العلاج؟ ردت بانفعال الأسماء وكرَّرتها هؤلاء الثوار لا يملكون أسماءهم الحقيقية خوفاً من بطش الأمن والبعض من أهلهم (وهؤلاء قليل جداً ).
تهز القلب
ومن أصعب المواقف كانت هنالك ثلاثة إصابات لثلاثة أخوان أشقاء فاحترنا في كيفية إخبار والدهما وماذا نقول له؟ فكان موقفاً حقيقياً صعباً من أصعب المواقف. ثم قالت متحسِّرة: الإصابات التي تهز القلب ويقشعر لها البدن عملية تفريغ العين شئ مؤلم جداً وعندما أشاهد أحدهما لا أستطيع الصبر وانهار من البكاء، ولكن سبحان الله تجدي الواحد منهم متصبِّر ومتماسك أكثر مننا نحن، ثم قالت بحسرة: تتخيلي هم يصبرونني عندما يشاهدونني متجرِّسة، وعندهم مقولة يردِّدونها قائلين (أبوعين واحدة أحلا وأفهم من أبوعينين ).
الحصا والقزاز
فأكثر الإصابات التي تمر الاختناق والإصابات في العين والظهر وليست بمبان فقط، بل الأوبلين يضعوا فيه الحصا و القزاز فهذا عنف ما بعده عنف، وهنالك مناشدات كثيرة طالبت ومازالت تطالب بإيقاف العنف المفرط مع هؤلاء الشباب وهم لا يملكون شيئاً غير حجر و أقل إحصائية للمصابين في كل موكب لا تقل من 30 مصاباً، وفيها إصابات حرجة. سألتها: هل تجلسين حتى نهاية الموكب؟ ردَّت: بالطبع حتى نهاية آخر ثائر، فأنا بسهِّل مهمة الأطباء فبمجرَّد ما يأتي الثائر مصاب بكون عارف يدخل إلى أي طبيب والبعض منها علاجهم يكون في العيادات الميدانية، وهكذا، وحتى نحن تعلَّمنا وعرفنا الكثير وهذا أقل واجب نقدمه لأبنائنا الثوار.
معروفون وشكلهم واضح
وعندما سألتها عن أبنائها هل يخرجون في المواكب؟ ردَّت بسرعة قائلة: بالطبع أولادي داخل المواكب وربنا يحفظ ويغطي كل الشباب، وعندما سألتها هل تعرضتي إلى مضايقات سواءً أكان داخل المستشفى أو خارجها من الأجهزة الأمنية ؟ قالت: داخل المستشفى وأثناء المواكب صعب، أصبحنا نعرف أفراد الجهاز فهم معروفين وشكلهم واضح لدينا فلذلك ما بتردَّدوا كثير، أما خارج المستشفى في المنزل على مرتين أرسلوا لي مرة رجل وتارة أخرى امرأة بسألوا مني وبطلبوا حاجات خاصة بالثوار من خوصة ونظارات وغيرها وأصلاً هذه الأشياء غير موجودة عندي.
برهان وحميدتي
وباغتها سائلة، هل هنالك جزء من الشباب لم يتلق علاجاً؟ قالت نافية: لا لا إلا الثائر يرفض لوحده، وأيضاً بنصر عليه وفي النهاية يتلقى العلاج إلا شخص واحد وكان معوِّل على البرهان وحميدتي وما حصل ليه حاجة وأنا بعيب على العسكر، لأن هنالك إصابات مباشرة فهنالك شاب أصيب 4 مرات والخامسة فى الخصية، الإصابات معظمها مقصودة. هل هؤلاء الشباب مخمورين أو يتعاطوا شيئاً ؟ قالت: أقسم بالله، بالعكس المخمورين والبتعاطوا منبوذين ولا يستطيعوا الذهاب مع الموكب، ونحن أصبحنا بنعرف بعض وعلاقتنا قوية جدًا، ثم ختمت حديثها بدعوة قائلة: يارب احمي الشباب.
جسده وروحه
وفي ذات السياق التقيت بالخبير التربوي الهادي السيد، طلبت منه أن يوضِّح مدى التأثير على البعض من الطلاب الذين جمَّدوا أعوامهم الدراسية بسبب الحراك السياسي، وآخرين موجودين وكأنهم غير موجودين، وهنالك من لا يداوم للمدرسة يوم الحراك؟ وضَّح قائلاً: قبل كل شئ الآباء والأمهات غرضهم في الحياة مستقبل أبنائهم ورد الجميل من أبنائهم وكل حياتهم من أجل سعادة ورفعة أبنائهم والأسرة والدولة، فلذلك تجاهد بكل ما تملك من أجل التعليم وتوفير مستلزماته من أجل أبنائها، ولكن الشئ المحزن والمؤسف أن الأبناء ينحرفوا عن المسار المقصود وينجرف خلف أشياء تعود له بالفشل وينهي مستقبله فيما لا ينفعه بشئ غير يضر بصحته ويعطِّل مستقبله ويشوِّه جسده وروحه وهو عائد غير مجزئي بما قامت به الأسرة لما يحقق إليه مستقبله أو بما يرفع به دولته، فهذه المسائل لها ما لها من ضياع لمستقبل الطالب.
التخلُّف والرجعية
واسترسل قائلاً: الطالب الذي يجمِّد دراسته ثم يرجع بالتأكيد هو لم يمض حياته التي جمَّدها من أجل تحصيل علم أو زيادة معلومة، بل لجأ للشارع ثم توجه بسؤال هل الشارع كفيل بتقوية دروسه؟ وهل معوِّض لما فاته؟ ثم قال: وإنما يندم لما فاته من دروس، وقضاها في أشياء قد تنسيه وعندما يعود بالتأكيد سوف يعود بروح أخرى قد يسمم بها الآخرين وقد يعود بروح أخرى قد تكون أسوأ بسبب من كان حوله ولا نستطيع أن نقول كلهم سويين والآن الشباب غزتهم أشياء كثيرة من مخدرات ومرض العقول فهذه حقيقة، ثم ومتى ما صرحت بهذه الحقائق قيل عنك كوز ووصفت بالتخُّلف والرجعية؟
توافق سياسي
وواصل في ذات الحديث هنالك أسر عندما أحسوا بالخطر، هروب من الواقع من أجل أبنائهم، هنالك من هاجر وآخرين نزحوا، فسألته من المسؤول عن هذا الوضع؟ ونحن نعلم بأن هنالك طلاب خرجوا من أجل الوضع الاقتصادي السيئ رغم أنهم مازالوا صغار في السن وعقلهم لم ينضج بعد، والسياسة والحراك له ناسه، أم المسؤول الأسرة والمجتمع؟ ردَّ قائلاً: هذه المسألة لها أبعاد كبيرة جدًا ولكن لابد أن نكون واضحين، الدولة هي السبب لأنها عملت على عدم استقرار الوضع السياسي، وكذلك التعليم بكل مراحله، وفقد التهيئة المادية المتوفرة له والطالب أصبح محتاج لمستلزمات كثيرة وكلها تعتمد على المادة، ثم ضحك وقال: القروش عند التاجر والنجار عايز توافق سياسي ويكون في استقرار في الدولة.
تمرُّد وتشرُّد وتجمُّد
أضاف متخوِّفاً هذا الجيل القائم نخشى بأن يكون جيل انتقامي، لأنه وجد في تعليمه قمة المعاناة لم تكن في الماضي وحتى منظمة اليونيسيف صرَّحت بأن ست آلاف حالة تسرُّب من المدارس وهذا التسرُّب له أبعاده الاقتصادية التي تولَّدت من الجوانب السياسية ثم الاجتماعية ثم التعليمية وتساوى الطلاب كبيرهم وصغيرهم في المشاكل ويخوض في بحر السياسة والتدخلات السياسية رغم أنها ليست بأعمارهم وجعلته -أيضاً- يعرف حاجة بيته ونفسه ومدرسته، والمدرسة محتاجة مستلزمات (كراسات ومذكرات وقلم …الخ ) ومعظم الأسر ضعيفة والكل محتاج لما يهيئ له دراسته فخلقت هذه المسائل تمرُّد وتشرُّد وتجمُّد للطالب فهذه المسائل تراكمت وبلغت ذروتها.
خلقت ثغرة
وختم حديثة قائلاً: كذلك الأسر لها الدور الكبير في توعية أبنائها وأن يهتموا بدراستهم أكثر من السياسة، لأن الدولة خلقت ثغرة في التعليم وصاحبها عطل وإجازات وإغلاق جامعات ومدارس، لابد أن تصمد الأسر وتشجع أبنائها لمواصلة التعليم قبل فوات الأوان، وكذلك لابد من الدولة أن تعطي التعليم نظرة جادة وتهيئ التعليم من كل النواحي.
وللانتهاك بقية..