تحقيقات

مطاعم الخٌرطوم..  جواز مٌرور للدار (الآخرة) !!

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إدارة صحة البيئة: (38) مصاباً بالكبد الوبائي و(68) بالجيارديا و(3) بالايدز من جملة (4914) تم فحصهم خلال شهر يناير هذا العام

مدير إدارة النظام الصحي المحلي:(6) أطنان من الدواجن غير مطابقة للمواصفات

مقالات ذات صلة

مواطن: تناولت طبق (كبدة) انتهى بي داخل المستشفى

روائح شتى تتسلل إلى أنوف المارة، حين يلجون منطقة السوق العربي وأزقته. فموائد (الشواء) في الهواء الطلق، تنادي على زبائنها بدخانها ورائحتها الجاذبة و صاحب المحل يضع (شواية) صغيرة الحجم، وعليها قطع من (اللحم)، معلق على (سلك)، يقلبه البائع ذات اليمين وذات اليسار، في مشهد يثير كوامن (البطون) الخاوية من الطعام أو ماكينة شاورما تدور ببطء أمام مطعم يلفحها غبار المارة ودخان السيارات.الزبائن يقتربون من تلك الموائد المفتوحة للهواء، والمجاورة لبراميل القمامة وبرك الأمطار في فصل الخريف، والمطلة على مياه الصرف الصحي. وفي غفلة (الجوع) يتناولون تلك الأطعمة، التي تنتهي بهم داخل المستشفيات أن لم يفارقوا الحياة ،(التيار) رصدت فوضى المطاعم، في الخرطوم وهي تقدِّم الطعام في أسوأ حاله.

تحقيق: سلمى سلامة

على الهواء

وأنت تبحث عن موطئ قدم، في زحام منطقة (جاكسون) تشاهد على البعد، دخاناً كثيفاً يتصاعد، من أمام مطعم (كذا) للوجبات السريعة، وبمجرَّد أن تقترب أقدامك المنهكة من (معافرة) زحام المارة، تأخذ الصورة في الوضوح، فترى (أسلاك الشواء) ممتلئة باللحم، وبجوارها عدد مقدَّر من الفراخ تقلبه (شواية)، بجانب (حافظات) للعصير، يحوم حولها الذباب الذي لم يمنعه من التحليق دخان المشويات المعدة على الهواء مباشرة، أي المنقولة في بث حي للسابلة، راجلين أو على متن مركباتهم، التي تكاد أن تلامس تلك الموائد المفتوحة. غبار المارة وعوادم السيارات، وممارسات أخرى يقوم بها المواطنون، تختلط بتلك الموائد، حيث لا حاجز أو غطاء يمنع.

أبو (الرخاء)

في جانب آخر صبي تحت العشرين، يضع أمامه (تربيزة) بها (طعمية) تتوسطها قطع البيض المسلوق. موضوعة باجتهاد في محاولة لوضع لمسات جمالية. الصبي يبيع لزبائنه الذين تغريهم الأسعار الزهيدة، حيث يبلغ سعر (سندوش الطعمية) (200) وعصير الليمون بـ (100). و(الشاورما) (300) جنيه، الأسعار لا تقاوم، لم يتوقف الصوت المسجل من مناداة الزبائن طوال اليوم. والمكان يعج بالمشترين الذين تشتكي جيوبهم لطوب الأرض من قلة المال حسبما  عبَّر أحدهم عندما سألناه كيف يستطيع أكل طعام مكشوف ومعروض على طريق المارة؟ فكانت إجابته ممزوجة بنبرة استياء من وضعه، لأنه طالب ولا يستطيع تناول وجبة يتجاوز ثمنها الـ (500) جنيه، رغم يقينه برداءة المكان إلا أن معدته لا تقوى على تحمُّل الجوع، وسبق أن حذَّره الطبيب من تناول تلك الأطعمة، بعد إصابته بمرض (التايفويد).

البحث عن (نجمة)

لم تنته جولتنا داخل منطقة السوق العربي وتحديداً موقف (جاكسون) و (الإستاد)، الذي حشد كل ألوان الفوضى لطريقة إعداد الأطعمة وبيعها، في (الكافتريات) التي يظنها الكثيرون بالأفضل، ولكن الحقيقة تتضح بعد التجربة.المواطن (حسن عثمان) ساقته أقدامه إلى أحد المطاعم والتي كانت تبدو في مظهرها جديدة من حيث الطلاء والمقاعد، دلف (حسن) إلى أحد المطاعم المطلة على موقف المواصلات ليتناول وجبة سريعة يسد بها جوعه، ولكن الوجبة السريعة،وهى عبارة عن طبق (كبدة) انتهت به إلى المستشفى عقب شعوره بمقص حاد أصاب معدته. تلك المطاعم تبدو في مظهرها وطريقة عرضها للطعام، بأنها مطاعم (خمسة نجوم) وما أن تدلف إلى داخلها حتى تتفاجأ بنوع الطعام الذي يجعلها لا تبلغ نجمة.

تجاوزنا مشاهد ميدان (جاكسون) إلى موقف الإستاد، الذي أضاف لوناً آخر للفوضى سابقة الذكر، حيث تجد مابين الحين والأخر نهراً للصرف الصحي، يجري أمام أحد (الكافتريات) برائحة تهيئ المعدة للتقيؤ، قبل أن يدخلها طعام. صاحب كافتريا أكد بأنه غير راضٍ عن موقع مطعمه الذي تجري أمامه مياه الصرف الصحي بصورة شبه مستمرة، وقال لـ (التيار) إنه تعب من كثرة الشكوى للمحلية التي وعدت بحل المشكلة في كل مرة ينكسر فيها أنبوب الصرف الصحي ولا تفي بوعدها، وأكد أن مطعمه بات أسيراً لرائحة النتانة المنفرة للزبائن.

فـ (الكافتريات) للمأكولات السريعة في ذلك المكان، يحلق بداخلها الذباب بكثافة. والعاملون فيها يرتدون ملابس توحي لك بأنهم يعملون في منطقة صناعية وسط زيوت السيارات وغيره، وليس في مطاعم تصنع وتبيع الطعام للمواطنين، ومن خلال رصدنا للعاملين في المطاعم الكبيرة والصغيرة معاً.أن أكثر من (10) كافتريات في وسط الخرطوم لم نجد فيها عامل يرتدي قفازًا للأيادي عندما يقوم بإعداد الطعام للزبائن، ولا يرتدي غطاءً للرأس، وأرضية المطعم تتناثر فيها بقع وسلة النفايات امتلأت حتى آخرها.

عدد من المواطنين الذين استطلعتهم (التيار) أكدوا أن مطاعم الخرطوم تشهد تدهوراً مريعاً في كل النواحي من بيئة لجودة الطعام الذي يقدَّم وأن تجاربهم بينت عدم اكتراث أصحابها لصحة المواطن بيد أن أغلبهم رجحوا لعدم وجود رقابة صحية عليها.

وزارة الصحة

السؤال هنا أي طعام أو مشروب يستطيع المرء تناوله في مكان كهذا؟ وكيف حصلت تلك المطاعم على رخصة تسمح  لها ممارسة نشاطها وتقديم الطعام للناس في أسوأ حالته؟ هذا السؤال وغيره من الاسئلة ذهبنا به لوزارة الصحة ولاية الخرطوم وجلسنا إلى مدير إدارة صحة البيئة الأستاذة إشراقة عثمان والتي أقرت بوجود إهمال في مطاعم الخرطوم وأن ما يجري فيها لا يحتاج لمغالطة وهو منظور للعيان، وأوضحت أن إدارة صحة البيئة بالوزارة تعد جهة فنية تضع الاشتراطات الصحية، التي ينبغي متابعة تنفيذها من قبل المحليات، وحوت الاشتراطات على (46) شرطاً، شملت صحة العاملين بالمطاعم والتأكد من إجراء التطعيم اللازم لهم وتوفير زي كامل وواقي بلون أبيض عدد (3) لبسات لكل عامل، إضافة للصحة الشخصية من تقليم الأظافر وقص الشعر وعدم تعاطي التبغ أثناء العمل، وفي آخر لائحة الاشترطات الصحية التي تحصلت (التيار) على نسخة منها نصت على إغلاق المحلات متى ما رأت السلطات ذلك لحين التصحيح.

وتقول إشراقة إنه ضمن عملية الكشف الطبي للعاملين في الأطعمة والمشروبات تم فحص عدد (4914) منهم (4413) سودانيين و(501) أجانب اللائقين طبياً عددهم (4768) والمرضى (121) سودانياً، و(18) أجنبياً، وأظهرت نتائج الفحص إصابة (32) من السودانيين بالكبد الوبائي و(6) من الأجانب، و(3) بالايدز جميعهم أجانب، أما الفحص المتعلق بأمراض الفسحة كشف عن إصابة (68) بالجيارديا. هذا الفحص الوقائي تم إجراؤه في شهر يناير من هذا العام، وفي السياق أكد دكتور صلاح الدين حسن، مدير إدارة النظام الصحي المحلي وزارة الصحة ولاية الخرطوم أن هناك جهوداً تقوم بها وزارة الصحة في هذا الشأن بالاشتراك مع عدة جهات ذات صلة كالأمن الاقتصادي والزراعة والصحة والثروة الحيوانية والمواصفات والمقايس وجهات أخرى يعملون في إطار فريق موحد ويجري هذا الفريق حملات تفتيشية للمواد المنتهية الصلاحية وغير المطابقة للمواصفات، وتم تنفيذ ثلاث حملات حتى لحظة كتابة هذه السطور وفي كل مرة يتم استهداف واحدة من المواد المستهلكة ومن خلال الحملة تم ضبط (6) أطنان من الدواجن غير مطابقة للمواصفات.وقال: إن كل جهة من هذا الجهات المذكورة يؤدون عملهم ويتم تحويل المخالفات للمحكمة.

وكشف مصدر بمحلية الخرطوم (فضَّل حجب اسمه) عن وجود إهمال من أصحاب المطاعم، حيث تجده لا يكترث لإصلاح عطب في حنفية أو إصلاح الأرضيات. وأضاف أن المحلية لا تملك إحصاء دقيق بعدد المطاعم التي تدهورت بيئتها، وأن هناك معوِّقات تحول دون عمل المحليات بالصورة المطلوبة في عملية متابعة تنفيذ اللوائح والاشتراطات الصحية.وذهب المصدر في حديثه إلى أن البيئة الداخلية للمطاعم أي المعدات والأواني المستخدمة داخل المطبخ  غير مستوفية للشروط وأن معظم المطاعم ليست بها التسهيلات المطلوبة وهي منطقة (الغسيل ـ الإعداد ـ التحضير ـ الجدران ـ الأرضيات ـ التهوية) جميعها غير مطابقة للاشتراطات الصحية وليست بها تصريف  ولا وسائل أخرى لضمان أمن الغذاء،  حيث لا توجد منطقة تخزين للمواد الخام وليس هنالك وسائل تبريد وتسخين لحفظ الطعام  وضمان سلامته .

سلوك منفِّر

ويضيف المصدر أن كثيراً ما يلاحظ أن العاملين في المطاعم يقومون بممارسات  تجعل الزبائن يعدلون عن فكرة تناول الطعام، نتيجة لسلوك غير حضاري مثل وضع التبغ أثناء تعبئة أو تقديم الطعام أو استخدام المريلة في مسح الوجه وذلك أن العاملين فيها يدركون كيفية التعامل مع الغذاء في مراحله المتعددة، فمعظمهم لا يحملون شهادات  خلو من الأمراض المعدية (الصحة الشخصية للعاملين متردية)، وهم مصدر التلوُّث وأكد أن أماكن بيع الأطعمة في الشوارع معرَّضة للتلوُّث مثل (الأقاشي والشاورما) مضيفاً، أن ظاهرة الباعة الجائلين الذين يعدون الأطعمة والمشروبات لا يتبعون أبسط القواعد الصحية، وهذا يعرِّض الغذاء للتلوُّث، أضف إلى ذلك بأن الأشخاص الذين يصابون بحالات التسمم لا يقومون بالإبلاغ، فمن المفترض أن يكون هنالك مكتب خاص بالبلاغات والشكاوى للتحري في أسباب التسمم، حتى تتخذ الإجراءات الأزمة التي تشمل  الغرامة أو مصادرة ـ وإغلاق المحل، ولكن لا توجد عقوبات رادعة ضد المخالفين .

قائمة الاشتراطات الصحية شيء وما يجرى بداخل المطاعم شيء أخر لا علاقة له بما نصته الضوابط. التي لم تترك شاردة ولا واردة إلا أحصتها في حزمة الاشتراطات.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى