تحقيقات

فظائع الانتهاكات (10/10)

الحلقة العاشر

تحقيق: أسماء ميكائيل اسطنبول

منذ انقلاب 25 أكتوبر، وحتى لحظة كتابة هذا التحقيق نجد أن هناك جهات من المنظومة الأمنية لازالت تمارس انتهاكات ضد الثوار الذين خرجوا من أجل  التغيير، سواءً أكان ذلك بتعليمات أو لا، ونتج عن تلك الانتهاكات إصابة العديد من الشباب بعاهات جسدية والبعض الآخر مازال يعاني وآخرين فقدوا حياتهم، ورغم ذلك لم يثنهم العنف أو يضعف من مسيرة نضالهم، بل زادهم قوة وعزيمة، لأن هنالك عهد قطعوه بينهم ورفاقهم الذين فقدوا حياتهم من أجل التغيير والحياة الكريمة.

ملوِّث للبيئة

مقالات ذات صلة

ثم أبحر دكتور عيسى  عبد اللطيف، مستشار العناية بالبيئة واستدامة التنمية ورئيس منظمة بيئتي ورئيس سابق للجمعية السودانية لحماية البيئة وضح في حديثه مدى تأثير الغاز المسيل للدموع (البمبان)  على البيئة، موضحاً في الأصل هو مادة كيمائية استخدمت منذ زمن طويل في تاريخ العالم من أجل السيطرة على  المجموعات الكبير من المواطنين الهائجة  في مظاهرات أو احتجاجات أو شغب وغيرها، وتسمى بمكافحة الشغب،  فالبمبان  هو مادة كيمائية سامة وتعتمد أساساً على الدخان الذي يخرج منه يؤثر على العيون  والأنف والفم والحنجرة  بصور فظيعة بالنسبة للإنسان ويعطله  وهذه وظيفة  الغاز المسيل للدموع، فمثلاً لا يستطيع الإنسان النظر جيداً وألم ويعطش ويسعل ويظل يهرول  من المكان الموجود فيه، فهو مادة كيمائية ملوِّثة  للبيئة وخطيرة على الصحة.

الكائنات الدقيقة

كما أنه يؤثر على الرئتين والحنجرة والعيون  لفترة طويلة وممكن يؤثر على نوع من البلكومة إذا كانت موجودة في العيون ويجعلها تزداد سوءاً والغاز المسيل للدموع يؤثر في  التربة  على الكائنات الدقيقة الموجودة في التربة، والتربة عبارة عن نظام بيئي متكامل فمثلاً إذا الشخص أخذ ملعقة واحدة  من الأتربة التي لا يوجد بها تلوُّث  تجد بها عدد من الكائنات يفوق عدد  سكان الأرض على الكرة الأرضية، فبالتالي التربة هي عبارة عن منظومة بيئة  تتأثر بأي تلوُّث يأتيها من الخارج والغاز المسيل للدموع يظل في التربة، ويؤثر كذلك على الأشجار و على كل أنواع النباتات سيما  الحشرات التي تعمل على تلقيح النباتات، كما أنه  يؤثر على  الطيور، لأن جزءاً منها يعمل على تلقيح النباتات  وجزءاً  منها يعتبر مهم للتوازن البيئي  العام في الدورة الغذائية وانسياب لطاقة في العلاقات البيولوجيا ما بين الكائنات الحية، ثم وضح بأن الغاز المسيل للدموع (البمبان) يدخل  في مركباته الكلور في التركيبات القديمة والحديثة  ويكاد يكون هو ثابت  وتتركب أملاح  مختلفة أو غازات مختلفة  بعضها خطير جداً مثل السنايد وبعضها أخف.

الطيور والقوارض

وبيَّن بأن ظاهر استخدام الغاز المسيل للدموع ظاهرة قاسة جداً وتستخدم  عندما  لا تعترف الدولة  بحقوق  الأفراد  أو المواطنين في  التظاهرات السلمية وبالتالي  تبحث عن أي أسباب من أجل تفريقهم، وحديثاً أصبحوا  يستخدمون أشياء أخطر من البمبان مثل الخرطوش ويستخدم لقتل الحيوانات (لأنه ينتشر في شكل حبيبات وبسرعة هائلة) فالغاز المسيل للدموع من أخطر المواد  على صحة  الإنسان والحيوان وعلى صحة الكائنات المفيدة التي نعتمد عليها في  الزراعة وكذلك البستنة  ومكافحة الآفات،  لأن هنالك كثير من الكائنات تكافح الآفات بطريقة طبيعية ونحن عندما نقضي عليها نكون أكثر عرضة للآفات سواءً أكان آفات صحية مثل البعوض أو زراعية مثل آفات الزراعة المعروفة من الحشرات (الطيور والقوارض …وغيرها).

بدرة تُخلط

كما أنه يؤثر على  المياه الجوفية والزراعة وعلى الكائنات المفيدة التي نستفيد منها في مكافحات الآفات الزراعية أو الصحية أو استخدامها في تلقيح  البستنة والغاز المسيل للدموع  في الحقيقة وهو ليست بغاز، بل هو بدرة تُخلط بسائل ثم تخرج في شكل رزاز وهذا الرزاز ليس بغاز ويعتمد على مادة السلكون فتظل في البيئة فترة وكذلك التربة،  وإذا وصلت المياه الجوفية  تظل فترة وتؤثر على الكائنات الدقيقة التي تعتبر  أساس إنتاج التربة وعندما نزرع شيئاً  عليها تكون التربة فقيرة من الكائنات الدقيقة بنضطر نضع لها سماد صناعي كثير لكي تصبح التربة غنية بالكائنات الدقيقة  المفيدة وهي أنواع كالبكتريا والفطريات وأنواع من الكائنات  المجهرية التي لا ترى  بالعين المجرَّدة  مثل الديدان وهي مهمة جداً في التربة وصحة التربة ومهمة جداً للتوازن البيئي في التربة.

أساس السلسلة الغذائية

وأضاف بأن هذه الكائنات الدقيقة مفيدة جداً وهي أساس  السلسلة الغذائية والتي تجعل النباتات منتجة أكثر ثم ضرب مثلاً قائلاً: عندما يقال لك هذه الأرض تعبانة ولابد من زراعة لوبية أو كبكبي، لأن البقوليات توجد في جذورها  نوع معيَّن من البكتريا التي تقوم بتثبت النتروجين وبالتالي تسمِّد التربة طبيعياً إذا الكائنات الدقيقة هذه مهمة جداً في حياتنا وحتى في  الإنسان تجد في جسده ملايين الملايين من الكائنات الدقيقة  والجزء الأكبر منها مفيد حتى الموجودة في المعدة والأمعاء مفيدة وتساعد على الهضم وتقوم بعملية إفراز الإنزيمات بمعنى دورة مهمة جداً، فبالتالي الكائنات الدقيقة تعتبر جزءاً مهماً جداً من حياتنا في البيئة وفي صحتنا وصحة النبات والحيوان، فإذاً تأثيرها  كبير وبالنسبة للمياه الجوفية فمادة السلكون الموجدة في الغاز المسيل للدموع تظل في التربة وممكن  تصل للمياه الجوفية وبالتالي تعمل على تلوُّث بقية التربة.

أمراض مزمنة

وختم حديثه قائلاً: أما من ناحية الجانب الاجتماعي فهذه المنطقة التي تتعرَّض كثيراً للغاز المسيل للدموع  الأشخاص الموجودين فيها بمرور الزمن تصبح لديهم  أمراض مزمنة خاصة أمراض العيون والرئتين والحلق، وقد تؤدي إلى المدى الطويل إلى العماء والجلكومة والسبب الرئيس التعرُّض المستمر للمادة السامة.

تضامن اجتماعي

وقال الأستاذ عوض  الحاج، باحث اجتماعي في حديثه عن الانتهاكات المفرطة والتي تمارسها القوات الأمنية على الثوار بأن تولِّد الغبن الاجتماعي على مرتكبيها وبالتالي يحدث تضامن اجتماعي مع الضحايا وأسرهم خاصة إذا كانت ضعيفة بيد أن الأسر تتأثر تأثيراً كبيراً إذا أصيب أو فقد شخص ويصبح إحساسه بالفقد أليم يولِّد القهر لعدم تحقيق العدالة على  مرتكبي هذه الجرائم  خاصة إذا لم يتعاقبوا، غير أن الآثار الكثيرة توالد الضغط النفسي على الأسر ويصبح إحساسهم بأن ابنهم هذا فقد جزءاً من أعضاء جسده أو أصيب بعاهة وحتى الشخص الذي أصيب ينتابه ذات الإحساس، ولكن تجده مازال مواصل التظاهرات ومتماسك بالجماعة، ولكن في نفسه عاجز وأنه فقد جزءاً من جسده فتجده مقهوراً وأنه ما قادر يأخذ حقه فيشكِّل غبناً عاماً.

تُشكيل رأي عام

وأضف لذلك هذه الجرائم تشكِّل رأياً عاماً ضد مرتكبيها اتجاه  الأطفال والشباب فيصبح الإحساس العام للشعب ضدهم وهذا غير الآثار الاقتصادية للأسر التي  ينعكس عليه  نفسياً (كما أسلفت) واقتصادياً والتي تتمثل في مصاريف العلاج.

أثر جسيم

وفي ذات السياق وضحت طبيبة علم النفس  صفاء الأصم قائلة: بخصوص الانتهاكات التي تخص الثوار في الشارع أثناء تأديتهم لأهداف الثورة  تؤدي إلى أثر جسيم، فعندما يكون خارجاً من أجل أهداف الثورة يبني كل تفاصيل حياته ومعطياته على أساس أنه بجاهد من أجل الوطن.

ضرب واغتصاب وقتل

والانتهاكات  النفسية التي يتعرَّض لها من قمع وضرب واغتصاب وقتل بتضع أثراً سلبياً  سيئاً عليه وعلى أسرته وعلى مجتمعه وعلى قدراته النفسية على تخطي المسائل  فتحبط عملية الثورة وقدرته على العطا والتفكير في توجيه أهدافه فيما يخص إنجاح الثورة والهدف الأساسي واعتقد بأنها من الأهداف السامية لديه في مسألة التعامل مع قضايا الأوطان والشرف والرفعة والكرامة. الإنسان يكون مهيأ تماماً للدفاع عن هذه الأشياء لأنها من  الغريزة الأولى داخل الإنسان و تعرضه للقمع  يشعر بالغضب والإحباط  وبالتراجع في خطواته فهي مثلها مثل أي هدف أو طموح  أو حلم تريد أن تصل له ولكن لا تستطيع الوصول إليه بسهولة وبالتالي تصاب بنوع من الإحباط وممكن تصاب بالاكتئاب وينعكس  على كل الأسرة وكل المجتمع المحيط به وبالتالي كلها تتعاطف مع هذا الموضوع بأنها شئ محبط وغير مشجع وتتخاذل نوايه على قدرته على العطا، فهذه المسألة نفسياً سيئة جداً وبتدمر كمية من الشباب وممكن تجعلهم ينحرفوا عن المسار الطبيعي ويذهب في مسارات أخرى كنوع من اليأس ويتعاملوا مع الوطن كأنه هو شيئ ميؤس منه.

بصمة اليد

وهنالك كثير من الشباب هاجروا ومنهم من اعتزل القضايا السياسية والقدرة على الدفاع في القضايا السياسية أو الدفاع عن وجودهم في هذا الوطن ومطالبهم البسيطة من معيشة كريمة وتعليم وصحة وهذه مطالبات مشروعة لتحقيق الأمان الكامل النفسي  للتعامل مع وضعهم في السودان، فنتمنى أن تقف هذه الانتهاكات ويجب التعامل مع الثوار بصورة أفضل، ونتمنى الناس تستمع لمطالبهم وتحاول تحقق الجزء الأكبر منها بحيث يعم الخير والأمان والاستقرار، ولأن  هذه الانتهاكات عندها جانب سيئ جدًا من الناحية السياسية قد  تؤدي إلى  حروب أهلية وعداء وتفكك الدولة والنظام وممكن تؤدي إلى اختلاط الهتافات والأشياء الشخصية بالعامة وبالتالي الانحراف الكامل عن الهدف الأساسي والطبيعي، فمن المفترض يحدث الاهتمام بالجانب النفسي للثوار فهو مهم جداً، لأن ينعكس على أهلهم وعلى قدراتهم وكل خطواتهم في الحياة حتى على المستوى العملي والتعليمي، فالناس التي تمارس القمع هذا يفتكروه هو مجرَّد ردع وليسوا  متخيِّلين ممكن يدمر حياتك كلها وممكن تصاب بالخوف والقلق ويدفع الناس للإدمان وأخيراً نتمنى الانتهاكات  تنتهي، لأن النفس البشرية مثل بصمة اليد فكل شخص لديه مقدرة معيِّنة على التحمُّل.

التغيير الجذري

أما المحلِّل السياسي علي الدالي، عندما التقت به صحيفة (التيار) ووجهنا له سؤالاً لماذا تقابل  السلطات الأمنية هذه الاحتجاجات الشبابية بهذا الانتهاك المفجع؟ ابتدر حديثه قائلاً:  هذا الجيل يعمل مشروع تغيير جذري وحقيقي  ورافض كل شئ، الهيمنة على السلطة والطبقات المسيطرة على الموارد وكذلك الأحزاب، فهو جيل تكنولوجيا ينظر للعالم كيف يتقدَّم وهو مازال عايش في الماضي فمن حقه يعيش حياة أفضل ويواكب العالم فلذلك يواجهون هذا العنف المفرط ببسالة، بيد أنهم ليست لديهم أي أطماع وإنما يدفعهم مشروع التغيير فقط،  وهم جيل المستقبل وتجد ذلك مجسَّداً في شعاراتهم مثل :

صحة وتعليم بجان

والشعب يعيش في أمان

وكذلك (حرية سلام وعدالة) هذه شعارات بتندد  بالتغيير ومعظمهم طلاب وجامعيين  وخريجين.

فن الممكن

وأضاف: “السياسيون يديرون معركة فن الممكن وهو التفاوض يبحثون عن حل حتى لو كان عبر التفاوض” وهؤلاء الشباب شباب التغيير يرفضون ذلك، وأيضاً مبرهن في شعاراتهم التي يندِّدونها والتي تجسَّمت في اللاءات الثلاث وهي:

لا تفاوض لا شراكة لا مساومة.

بل مصممين على التغيير الكلي والمحاكمة لكل المتهمين بما فيهم العسكر ومحاسبتهم، فتجد التباين بين الشباب والسياسيين ولجان المقاومة ما عندهم غير التغيير الجذري والسياسيين مطالبين بالتفاوض والحوار مع المتهمين بهذه الجرائم والانتهاكات التي يمارسها العسكر متمترسين خلف  ومدافعين ورافضين التغيير ومحافظين على أطماعهم وكل أصحاب الامتيازات يعملون على ذلك من طرق صوفية  وأسر مالكة وحتى الأحزاب السياسية،  وهؤلاء الشباب ضد الكل وهذا العنف قاد للتغيير والدليل اعترافات بعض القادة في الأونة الأخيرة مثل حمدتي.

لكل ظالم نهاية

وحتى نستطيع سرد هذه الانتهاكات وإيجاد  شخصيات تتحدث استغرق ذلك ما يزيد عن  الثلاثة أشهر، وغير الحالة النفسية السيئة التي أمر بها  بعد مقابلة كل انتهاك يتعرَّض له شاب، فكلما التقي بصاحب انتهاك ويسرد قصته أعاني مما أسمعه وأشاهده نفسياً ثم أتوقف عن البحث يومين وثلاثة أيام ثم أعود مرة أخرى للبحث عن انتهاك آخر فكانت رحلة بحث مضنية بحق وحقيقة، فطيلة رحلة البحث التي استغرقت ثلاثة أشهر ويزيد (كما أسلفت) بعد كل انتهاك أكون في حيرة من أمري، وأسأل نفسي مئة سؤال ثم أقول: لا يمكن ما تقوم به هذه الأجهزة الأمنية أن يكونوا سودانيين. فنحن أبناء شعب واحد وقد نكون مثل الأخوة لمدى تماسكنا وترابطنا فلماذا كل هذا الحقد والضغائن؟ ومن أجل ماذا؟ ولمصلحة من تصب هذه الانتهاكات المفزعة والمقهرة ومؤلمة للأمهات والأصدقاء بصفة خاصة والشعب بصفة عامه  وما الشئ الذي  يستفيد منه هذا النظام عندما يضرب بدون رحمة ويعذِّب ويصل درجة الموت؟ هل بينهم وبين هؤلاء الشباب تار؟ حتى لو كان كذلك هنالك العفو عند المقدرة ومقدرة العسكر في أسلحتهم التي يحملونها والشباب عزل، وهل بعد كل ما فعلوه للكثير من الشباب وتسببوا لهم في عاهات دائمة، هل ممكن أن يحكموا شعب لا يقهره ولا يخوِّفه ضرب وتعذيب وحتى الموت؟ ولكن السؤال الذي يطرح نفسه وأدخل الكثير في حيرة إلى متى ستظل هذه الانتهاكات مستمرة ولماذا؟ والانتهاكات تعني التعدي على حياة الغير ومنعهم من ممارسة حقهم الطبيعي في الحياة التي أقرت عليه كل المواثيق الدولية وفي نهاية الأمر نقول  لكل ظالم نهاية ونقول للشباب منتصرين بإذن الله.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى