وفيات الأمهات وحديثي الولادة- الحلقة الثانية

رحمة الموت وقساوة التفاصيل (2ـ2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفاة (64) من الأمهات بمستشفى الدايات و(40) بالسعودي خلال 2022م
وفاة (17) خلال ثلاث أشهر الماضية من هذا العام
الوضع الإقتصادي لكثير من الأمهات حال دون اجراء متابعات صحية لهن
أحمد رحمة: 70% من الوفيات في الأمهات يمكن تداركها أذا وجدت الرعاية
(4) حالات إجهات إجرامي بالمستشفى خلال شهر واحد فقط
المدير الطبي لمستشفى أمدرمان للولادة: نظام صحي في العالم يقاس بوفيات الأمهات والأطفال
تحقيق: سلمى سلامة
يعاني السودانيون منذ أمد طويل مشكلات في الخدمات الصحية زادها عدم الإستقرار السياسي، وتجلت مشكلات الصحة في تدهور المستشفيات، وإنعدام الأدوية وارتفاع اسعارها. إلا أن تجميد برنامج تقصي وفيات الأطفال حديثي الولادة والأمهات الأكثر تاثيراً. بعد تصاعد أرقام الوفيات بصورة مقلقة في ولاية الخرطوم. تجمد البرنامج بعد ثورة ديسمبر، أى منذ خمس سنوات حيث أصابت الحياة ركود وعم التراخي مفاصل الدولة. (التيار) تقصت عن وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة من داخل كبرى المستشفيات المتخصصة وخرجت بالتحقيق التالي.
صرخة ميلاد ووداع
يفارقن الحياة ساعة الولادة في القري البعيدة أو في المستشفيات، أو في منازلهن علي أيدى قابلات. هكذا يرسم موت الأمهات خارطة صحية تحمل في تفاصيلها سيناريوهات مفزعة لنساء يخطفهن الموت قبل أو بعد صرخة ميلاد صغارهن أن لم يفارقوا مع أمهاتهم الدنيا.
في باحة أحدى مستشفيات الولادة أرتفع صوت النحيب، فالأم التي اتوا بها محمولة علي الأيدي فارقت الحياة فور وصولها المستشفى وهيً حبلى في شهرها السابع، كان المشهد مؤلماً لم تفلح محاولات إنقاذها. رحلت الأم لتضيف رقما أخر لقائمة وفيات الأمهات في ولاية الخرطوم التي تجاوزت الـ (118) حالة وفاة خلال عام 2022م.
سستر أم سلمة محمد خير مدير إدارة الجودة بالمستشفى السعودي وحوادث الشيخ فضل واصلنا معها التنقيب في إحصائية وفيات الأمهات بالمستشفى، وبحسب الإحصائية المفصلة على شهور السنة الماضية سجلت المستشفى وفاة (7) من الأمهات خلال شهر يناير من (1758) دخلوا المستشفى. وفى شهر فبراير (2) حالة وفاة (1650) من الدخولات فيما سجل شهر مارس (5) حالة وفاة وفي أبريل (3) ومايو (3) ويونيو (2) ويوليو(2) وإنخفض العدد في شهر أغسطس لحالة واحدة في الشهر من (2029)الدخولات، أما شهر سبتمبر سجل (5) حالات من (2098) دخولات. وفي اكتوبر(5) من (1741). وفي نوفبر (3) حالة وفاة وديسمبر (2) وفاة ليصبح العدد الكلي للوفيات (40) وفاة خلال السنة. لم يخلو شهر من شهور عام 2022م من تسجيل وفيات. وشهد عام 2021م وفاة (45) بانخفاض طفيف من العام الماضي. وأوضحت الإحصائية تفصيلاً دقيقاً لتتبع الوفيات حسب الوحدات الطبية المشرفة والبالغ عددها (6) وحدات في والوحدة الأولى بلغ عدد الوفيات (10) حالة وفاة والثانية (9) حالة وفاة أما الثالثة (4) والرابعة (6) والخامسة (5) والسادسة (6). ومن سجلات الإحصاء في المستشفى السعودي إلي مستشفى أمدرمان للولادة التي سجلت خلال عام 2021م وفاة (90) أم من (15223) احياء وفي عام 2022م وفاة (64) من (17175) احياء، و(17) حالة وفاة في الثلاثة شهور الماضية من هذا العام كاخر احصاء. كاخر إحصاء تحصلنا عليه.
وتضيف أم سلمة أن معظم حالات الوفيات سبهها النزيف وضغط الجنين، وعزت إرتفاع العدد كما ذكر في الحلقة السابقة للتراخي الذي اعقب فترة الكورونا وثورة ديسمبر، والدليل أن عدد الوفيات قبل تلك الفترة المذكورة لم يبلغ (14) حالة وفاة، والأسباب الأكثر شيوعاً لوفيات الأمهات هي النزيف وضغط الجنين (كلبش)، وفي أواخر 2022م حدثت وفاة (4) أمهات بسبب الملاريا التي باتت في الفترة الأخيرة تؤدي للوفاة، ومن الأسباب غير المألوفة التي كشفناها من خلال الحديث مع مديرة الجودة هي الإجهاضات الإجرامية أى بفعل فاعل وتلقت المستشفى(4) حالات إجهات إجرامي خلال شهر واحد فقط.
فقر خدمات
التردد العالي على مستشفيات الولادة خلق تحدي كبير في الايفاء بخدمة طبية تقلل من اللحظات الحرجة التي تضع الطبيب أمام تحدي إنقاذ مريض يصارع الحياة وإمكانيات شحيحة. رفعت مديرة الجودة الستار لتكشف لنا عدة مشكلات خدمية تواجه المستشفى السعودي بينها العناية المكثفة التي يوجد بها (4) أسرة فقط ويفترض توفر (10) أسرة مجهزة لمواجهة التردد العالي وأن يلحق كل سرير بجهاز (مونتر) و(شفاط) واسطوانة أوكسجين، أضافة لإجهزة التنفس الصناعي. المشكلات بالمستشفى ليست في المعدات الطبية فقط حيث امتدت للكادر البشري بوجود فجوة كبيرة في كوادر التمريض ومعظم الكوادر المتوفرة هي خدمة وطنية وتدريب تنتهي مدة عملهم حسب الفترة المقررة ثم يغادرون المستشفى لتعاني النقص، ولأن الكادر الثابت في المستشفى لايتعدى الـ(20) . ومن الأسباب التي قادت لمغادرة الكوادر هي ضعف إيرادات المستشفى وعدم دعم الوزارة للكوادر المتعاونة لذا يفضلون العمل في المستشفيات الخاصة بدل الحكومية.
تضيف أم سلمة: كادر التمريض ليس هو الوحيد الذي تحتاجة المستشفى هناك نقص في الكوادر المتخصصة بالعناية المكثفة يغطيها الآن إختصاصي التخدير ويفترض أن يوفر لها إختصاصي عناية مكثفة وايضا توفير إختصاصي بطانية وقلب، علماً أن متوسط العمليات خلال اليوم (30) عملية رغم التوسع الذي تشهده المستشفى في قسم الحوادث وإضافة عنابر جديدة ولكن مازال الضغط مستمر بسبب التردد العالي عليها.
دكتور أحمد رحمة مسؤول لجنة التقصي بوزارة الصحة ولاية الخرطوم، والمدير العام للمستشفى (السعودي وحوادث الشيخ فضل) يكشف بجانب قصور الخدمات الطبية المذكورة عن 70% من الوفيات في الأمهات يمكن تداركها أذا وجدت الرعاية وبالتالي يقل العدد بتوجيه الموارد توجيها صحيحاً للمستشفيات التى بها تردد أكثر ويقول أحمد: نحن نضع أمامنا دول متقدمة الوفيات فيها تحسب بالأعداد مثل السويد والنرويج (18) وفاة في السنة وليس في شهر بينما الوفيات في السعودي (45) وفي الدايات أكثر من مائة وهو عدد مخيف لأنها مستشفيات تمثل 72% من الوفيات نسبة للحالات التى تحول لها من المستشفيات الأخرى والتحويل في حد ذاته كارثي لأن الموارد غير موجه توجيه صحيح حيث هناك مستشفيات ليس بها تردد وتجد مخازنها ممتلئة بالمعيات التى تحتاجها كل من (السعودي والدايات)، وأن الأقسام بالمستشفيات لم تجد المعينات ورغم أنها تضم كوادر فاعلة. ويضيف: الشح يجعل الأم تبحث عن حضانة من مستشفى لأخرى وهي نفسها تعاني من النزيف ولاتجد خدمة بنك الدم الكافية. وقال: نحن نقسم الوفيات لاثنين وهي وفاة يمكن تجنبها ووفاة لا يمكن تجنبها، والوفاة التى يمكن تجنبها هى للغالبية العظمي كما اسلفنا ومثال لذلك أن تجد أم في اطراف الخرطوم وهي تعاني من نزيف ولحين وصولها للمستشفيات المرجعية وخاصة أنها بدون سيارة إسعاف تكون قد فارقت الحياة.
ويتفق أحمد مع أم سلمة في أسباب وفيات الأمهات في أن (النزف) بصفة عامة هو الشائع ولتداركه يحتاج لبنوك دم عالية بحسب حديثه أما السبب الثاني هو (الكلبش) ويحتاج لكشف الحوامل ودعم الرعاية الصحية الأولية في المراكز ويقول: أن تفعيلها ينهى المشكلة وهناك دول كثيرة تجاوزت ذلك. وأستنكر رحمة قائلاً: لا يعقل أن يتلقى المستشفي السعودي (20) الف في الشهر الواحد إذا كانت الرعاية الصحية مفعلة بصورة صحيحة بالتاكيد أن نصف العدد المذكور لا يتردد على المستشفيات المرجعية أعلاه.
ومن سياق حديث رحمة تبين أن الوضع الإقتصادي لكثير من الأمهات حال دون اجراء متابعات صحية لهن مما يزيد الأمر تعقيدا عند حدوث طارئ. كما أن هناك أمراض شائعة مثل التهاب الكبد الوبائي واليرقان والحميات بصورة كبيرة وهي تعد أسباب مزعجة من ضمن منظومة الطب الموجودة.
عماد عبد المنعم الخير المدير الطبي العام مستشفى الولادة أمدرمان بدأ حديثه مستعرضاً تاريخ تقصي الوفيات بالسودان والذي بدأ كلجنة للابحاث في التسعينيات. وبعدها في 2004م تمت أول لجنة لتقصي أسباب الوفيات وتم تعميمعها على المستشفيات لمعرفة الإسباب للتقليل منها. وفي 2017م تكونت لجنة برنامج دعم طوارئ النساء والتوليد ودورها هو عمل بحث لكل المستشفيات لذات التخصص بالسودان. توقف لمدة عامين ثم بدأ في 2020م وتم عمل مسح في كل مستشفيات الولايات وتم تحديد الإحتياجات للمستشفيات التي شملت مباني ومعدات وإختصاصيين.
ويذهب عماد في حديثه عن مشكلات التقصي هي توفير المعلومة (الداتا)، حيث لا يمكن وضع خطة بدون (داتا) صحيحة وأن المتوفر منها حتى الآن لا تزيد نسبتها عن (30%)، لأن هناك وفيات خارج النظام الصحي أى غير مبلغ عنها ومن ضمن المفارقات التي رواها عماد خلال رحلة التقصي في مناطق السودان أن هناك منطقة يوجد بها (تراكتور) وأم تنزف بشدة و(جالون) واحد فقط هذه المعادلة هي تعني حتمية وفاة الأم، وأن الوفيات التي تحدث في تلك المناطق تسقط من دفاتر التقصي ويضيف عماد أن أى نظام صحي في العالم يقاس بوفيات الأمهات والأطفال، وحتى نستطيع القول بأن لدينا نظام صحي فعال لابد من تقليل النسبة الغير محددة حتى اللحظة، وأضح أن 90% من الوفيات لحالات محولة وأكثر من 60% من ولايات أخرى (30%) داخل الخرطوم، ويؤكد عماد أن أثر برنامج التقصي أثر واضح في تقليل الوفيات.
اخيرا
تمت إعادة تكوين لجنة التقصي بالولاية في أول يوليو 2022م ولكن اللجنة اصطدمت بواقع مرير موجود في المستشفيات التي ليست بها لجان تقصي ولا يعلم عدد الوفيات فيها وأن العدد المبلغ عنه في الوزارة (118) فاذا كان الوضع هكذا هل هذا هو العدد؟؟ .