مقالات وآراء

مستنقع الذكريات

صابرين درار 

كل ليلة عندما أضع رأسي على الوسادة لأنام يبدأ عقلي بالغرق في مستنقع الذكريات وأنا أسميه مستنقع لصعوبة الغوص فيه وعدم القدرة على الخروج منه بسهولة هذا غير ما تجلبه لي هذه الذكريات من ثقل على قلبي …

تبدأ رحلتي فيه بتخيل آخر لحظاتي في السودان وأنا أهُم بتجهيز وحزم الحقائب وأنا كلي يقين بأن رحلتي هذه لن تطول .. بكل تأكيد سأرجع .. سأرجع سريعاً جداً لأحتضن منزلي من جديد ، لذلك كانت مهمتي سهلة في اختيار أغراضي التي سترافقني في رحلتي القصيرة هذه كما كان يُصور لي عقلي لكن للأسف …

إمتلأت الحقيبة سريعاً جداً بعد رحلات قصيرة قامت بها يداي ذهاباً واياباً كما امتلأ قلبي حزناً وحسرة على فراق القاعدين .. عقلي ما زال في تفاؤله .. إنها رحلة قصيرة لن نتذكرها حتى .. لن يكون هناك فُراق بل سيكون هنالك لقاء جديد في وقت قريب ولكن للأسف …

مقالات ذات صلة

تأتي الذكريات في شكل أغراض لها قيمة معنوية كصور تجمعنا بمن نحب وهدايا تُذكرنا بمناسبات سعيدة وأحياناً أُخرى أحباباً دُفنوا في تراب هذا الوطن لنا معهم ذكريات في كل ركن من البيت فهذه رائحتهم ما زالت عالقة كرائحة الخريف التي نحبها جميعاً ورائحة البخور في صباح الجمعة. ولمة الأهل والأصدقاء تأتي في شكل أصوات تخترق صمت عقلي الحزين وتتواصل الأصوات في مخيلتي فلم أكن لأتصور أن صوت,, الركشة ،،المزعج وميكرفون ,,بوكسي،، الخضار الجهور وصوت الضفادع في الخريف أن يهزوا أوتار قلبي يوماً ما .

يأتي الدور على الصور ونور القمر الجميل في منتصف الشهر وحرارة الطقس في صباح يوم الأحد عند الذهاب إلى العمل حتى الشوارع والحفر والمطبات التي نحفظها عن ظهر قلب وبائعي الاستوبات المزعجين، كل أؤلئك كان شيئاً جميلاً .

وأصعب مافي الذكريات العائلة التي تفرقت بسبب الحرب أصبح كل منا في اتجاه يبحث عن وسيلة لضمان حياة كريمة ومستقبل مستقر ولكن هل سيعود الحال كما كان قبل المنتصف من أبريل المنقضي وإن عاد هل سنعود بنفس الشغف ونفس الطموح ونفس العزيمة ونفس الشموخ أم انكسر فينا شئ لا يمكن إصلاحه أم اهتزت بداخلنا الثقة في أن تكون بلادنا آمنة مستقرة سخاءاً رخاءاً .

هل أصبح طريق العودة إلى وطننا محفوف بالمخاطر ،هل نعود فقط لنلقي نظرة الوداع ونهجر بلادنا ثانية ً للأبد ،كل هذه الاسئلة أصبحت مطروحة ولكن يأتي قلبي ليذكرنني أن سوداننا الحبيب جزء مني لا يمكن فراقه و حب الوطن أعمى، فهو جميل وإن فارق الجمال أهله  .

زر الذهاب إلى الأعلى