تحقيقات

سقط بالتقادم

تحقيق: علي ميرغني

سلسلة من التحقيقات القصيرة تتناول قضايا تُركت عمداً أو سهواً بلا حل أو نهاية. نستها السلطات المختصة، ونسيها المواطن. تختلف هذه القضايا مابين حوادث جنائية أو محاولات اغتيال لبعض الشخصيات السياسية والفنية. أو مشاريع بني تحتية، أو غيرها من ملفات شغلت الرأي العام ثم سقطت سهوًا أو اُسقطت عمدًا.

فض الاعتصام..انتظار الحل البيولوجي

كوتيشنات

أديب. هناك خلط بين قانون 54 ومهمة هذه اللجنة..ولابد من تقديم البينات حتى لا يتم شطب الدعوة

مقالات ذات صلة

حضرة: تبرئة المتهمين أو إدانتهم ليست من مهام اللجنة، هذا اختصاص المحكمة وليس اللجنة..

عندما خنقت العبرة والد الشهيد كشة…

تحقيق: علي ميرغني

في يومِ الاثنينِ  التاسع والعشرين من رمضان، الموافق للثالث من يونيو 2019  اقتحم جنود وبمشاركة قوات يشتبه أنها تتبع لقوات الدعم السريع  ويلبسون زيّها المميّز ـ  مقرّ الاعتصام مُستعملةً الأسلحة المدافع الرشاشة المتوسطة والخفيفة بالاضافة للغاز المسيٌل للدموع لتفريق المعتصمين حوال القيادة  مما تسبّبَ في مقتل عدد منهم، وفقدان وجرح آخرين، حتى الآن هناك تباين في تقديرات عددهم.

ولا زالت هناك جثامين تتنظر الطب العدلي ليقوم بتشريحها وإثبات سبب الوفاة ولمن تكون. فيما اختلفت تقديرات الضحايا، وبعضها يقول إن فض الاعتصام نتج عنه مقتل حوالي  200 من المحتجين وعشرات الجرحى والمفقودين وفق تقارير غير رسمية، بينما قدرت إحصائية حكومية الضحايا بحوالي 85 شخصاً.

 

تشكيل لجنة التحقيق

في سبتمبر من العام 2019 أصدر رئيس الحكومة الانتقالية وقتها دكتور عبد الله حمدوك قراراً بتشكيل لجنة للتحقيق في أحداث فض اعتصام القيادة. ومنحت اللجنة بحسب قرار تشكيلها فترة ثلاثة أشهر لإصدار تقريرها، مع إمكانية التجديد لها حال لم تكمل التحقيق في هذه الفترة.

وبحسب القرار تكونت اللجنة برئاسة دكتور نبيل أديب

 

 

وتضم  7 أعضاء : قاضي محكمة عليا (رئيساً)، وممثلاً لوزارة العدل (مقرراً)، وممثلاً لوزارة الدفاع (عضواً)، وممثلاً لوزارة الداخلية (عضواً)، وشخصية قومية مستقلة (عضواً)، ومحاميين مستقلَين (أعضاء).

وبحسب قرار رئيس الوزراء ، تكون للجنة جميع سلطات التحقيق الواردة في قانون لجان التحقيق 1954، ويحق لها الاستعانة بمن تراه مناسباً، بما في ذلك الاستعانة بدعم أفريقي وتسلم الشكاوى من الضحايا وأولياء الدم والممثلين القانونيين.

ووفقاً لبيان مجلس الوزراء، تكمل اللجنة أعمالها خلال 3 أشهر ويحق لها التمديد لمدة مماثلة إذا اقتضت الضرورة ذلك، كما أن اللجنة تعمل باستقلال تام عن أي جهة حكومية أو عدلية أو قانونية. وذكر البيان أنه سيتم إعلان أسماء عضوية اللجنة لاحقاً.

وتم تسمية الاستاذ نبيل اديب رئيسا للجنة، وكبير المستشارين عثمان محمد عثمان مقرراً، وصهيب عبد اللطيف من النيابة الجنائية مقرراً مناوباً، والعقيد حقوقي عصمت عبد الله، واللواء حقوقي خالد مهدي ومحمد زين الماحي وأحمد الطاهر  أعضاء باللجنة. ويشار هنا إلى أن اللواء حقوقي خالد تمت إحالته للتقاعد قبل أكثر من عام تقريبًا.

وكانت لجنة تحقيق في أحداث فض الاعتصام، شكلها المجلس العسكري السوداني، قد وجهت ، اتهامات إلى قادة عسكريين رفيعي المستوى أشارت إلى أسمائهم بالأحرف الأولى، إضافة إلى أفراد تحت إمرتهم وملثمين مدنيين «مجهولين»، بقتل عشرات المعتصمين السلميين وجرح المئات في أحداث فض الاعتصام بالقوة، وأمرت اللجنة بفتح بلاغات جنائية ضدهم، تحت مواد تصل عقوبتها للإعدام والسجن المؤبد، فيما رفضت قوى إعلان الحرية والتغيير التقرير واعتبرته إخفاءً للحقائق ودفنها في الركام.

حميدتي ينفي

ونقلت قناة الجزيرة في موقعها على الانترنت عن الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي”، نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع أنه ظل ينفي على الدوام أي علاقة لشخصه بعملية الفض، بل أكد أنه كان يمنع قادة النظام السابق من التعرض للمعتصمين طوال 5 أيام، التي سبقت الإطاحة بنظام البشير.

وقال حميدتي: إن لديه ما يقوله من شهادة بخصوص هذه الحادثة، لكنه يتحين الوقت المناسب تاركاً الأمر للجنة التحقيق التي تم تكوينها لهذا الخصوص.

الإيقاف الشديد

مصطلح الإيقاف الشديد مصلطح عسكري يعني وضع الضابط في الحجز، نتيجة لارتكابه مخالفة عسكرية، في انتظار اكتمال التحقيقات. وبعد فض الاعتصام تم وضع ضابطين برتبة اللواء في الإيقاف الشديد، ولا زالا في نفس الوضع رغم مرور اربعة سنوات على ذلك.

وهنا يقول دكتور نبيل أديب إن  لا صلة للجنة باعتقال  اللواء السيد الصادق فهو قد تم اعتقاله بواسطة لجنة التحقيق العسكرية

أما بالنسبة للجنة فض الاعتصام فقد استجوبته منذ أكثر من عامين وربما يتطلب التحقيق إعادة  استجوابه إذا ظهر ما يدعو لذلك حين نستلم تقرير الخبراء.

استجواب آلاف الشهود

بحسب رئيس لجنة التحقيق في حادثة فض اعتصام القيادة، نبيل أديب، فقد تم استجواب أكثر من ثلاثة آلاف شاهد غالبيتهم جاءوا طوعاً، ونتيجة التقرير النهائي ستظهر الحقيقة كاملةً، لكنه لم يؤكد أن ما جرى أثناء فض اعتصام القيادة مطابق لوصف “جريمة ضد الإنسانية” أم لا.

واعترف بأن اللجنة تضرر عملها من غياب مجلس الوزراء الذي كانت تمده بتقارير دورية ويمدها بمتطلباتها.

وكانت لجنة التحقيق في فض الاعتصام، ذكرت على لسان رئيسها المحامي نبيل أديب، مطلع مارس ، أن قوة أمنية استولت على مقرها، وسمحت لجهات مدنية بدخوله ومباشرة أعمال صيانة في داخله، ومنعت العاملين في اللجنة من الدخول واستلام أي معدات خاصة بعملهم. كما أمرت بإخلاء المباني التي كان يشغلها طاقم الحراسة الخاص باللجنة، وسلمتها للجهة المدنية المعنية.

وسبق أيضاً أن طلبت وزارة المالية السودانية من اللجنة في فبراير  إخلاء مقرها، ما اعتبره مقرر اللجنة، صهيب عبد اللطيف، طرداً مباشراً لها من المقر، مؤكداً أن الأوضاع العامة عقب انقلاب 25 أكتوبر أصيبت بالتغبيش. وأوضح، “تملكنا إحساس بأن اللجنة غير مرحب بها من قبل الحكومة، على الرغم من أنها كانت تتعامل مباشرة مع رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك في الجانب المالي، بحسب ما جرى عليه العمل حينذاك، وبمقتضى قرار التكليف”.

تدويل القضية

ونتيجة لاستمرار عمل اللجنة لحوالي أربع سنوات، بدون أن ترفع تقريرها، أعلنت في مايو 2021  هيئات قانونية دولية ومؤسسات المجتمع المدني في السودان أنها تعمل على رفع قضية ضحايا جريمة فض اعتصام الثوار السودانيين أمام القيادة العامة للجيش السوداني في يونيو 2019 للمحكمة الجنائية الدولية.

دفوعات أديب

كانت العربي الجديد نشرت حواراً مع دكتور نبيل أديب قال فيه إنه لا يوجد موعد قاطع لا تحقيق. وكشف نبيل عن خلط في أذهان الناس  حيث أن لجنته لا تعمل بقانون 54 الخاص بتشكيل لجان التحقيق، أما لجنته  فهي لجنة تحقيق جنائي وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية، بالتالي فإن تقرير لجنة نبيل أديب سيذهب للمحكمة وهي محكمة جنائية وإذا لم تكن هناك دلائل وبينات تثبت  ارتكاب المتهم للجريمة التي تم اتهامه بها ستشطب القضية. ودعا نبيل أديب من سماهم بالذين يدعون تمسكاً شديدًا بحق الضحايا وأسر الشهداء أن يعرفوا أن أكثر شيء مهم تجميع الأدلة والبيانات وتقديمها للمحكمة بشكل يسمح بإدانة المتهمين.

 إدانة المتهمين ليس من مهام اللجنة

التيار اتصلت بالمحامي المعز حضرة المدافع عن حقوق الإنسان للتعليق على تصريح  رئيس لجنة التحقيق في فض الاعتصام، نبيل أديب، فقال إن مهمة اللجنة فقط فتح البلاغات بتوفر البينة المبدئية ويرى حضرة أنها متوفرة، ويضيف أن “تبرئة أحد أو إدانته ليس مهمته فهذه مهمة القضاء”.

عندما بكى كشة

المؤكد أن أهل شهداء فض الاعتصام والمفقودين  هم أهل الحق الخاص في هذه القضية. (التيار) اتصلت بوالد الشهيد عبد السلام كشة   الذي أوضح أنهم كأسر شهداء ومنذ قرار  تشكيل اللجنة تقدموا بطلب لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك بضرورة تمثيلهم في اللجنة باختيار شخصية قانونية تمثلهم فيها، وأنهم طالبوا حمدوك بذلك عند زيارته لمنظمة أسر الشهداء.

وانتقد كشة بعض إجراءات لجنة التحقيق، لأن أورنيك  الشهود يحوي معلومات تفصيلية عن الشاهد، مما جعل معظم الشهود يتخوَّفون ويحجمون عن تقديم شهادتهم خوفاً من الملاحقة.بغض النظر عن حجم خدمة حماية الشهود مهما كانت الجهة التي ستوفرها. وكشف كشة في حديثه لـ(التيار) أن منظمة أسر الشهداء تقدمت بمذكرة لدكتور عبد الله حمدوك، تحوي خمسة دفوعات لإقالة نبيل أديب من لجنة التحقيق وأن حمدوك وعد حينها بالنظر فيها، ومن هذه الأسباب أن نبيل كان محامي الدفاع عن الفريق أول صلاح قوش مدير جهاز الأمن السابق في محاكمته بمحاولة تدبير ضد البشير،  ويضيف كشة أن هناك عامل سادس تمت إضافته هو…. عندها خنقت العبرة كشة وقال إنه لا يستطيع أن يواصل. في الحديث.

التجربة المصرية

في مصر – أيضاً وقعت حادثة مشابهة لجريمة فض اعتصام القيادة العامة في السودان، حيث تم فض اعتصام ميدان رابعة وتتحدث تقارير غير رسمية عن مقتل حوالي أربعة آلاف.

ففي مارس المنصرم أصدرت المحكمة المصرية المختصة بالنظر في هذه القضية أحكامها حيث قضت الدائرة الثانية إرهاب المنعقدة بمحكمة بدر، برئاسة المستشار محمد حماد وعضوية المستشارين محمد عمار والدكتور على عمارة، الجنايات تقضي بالسجن المشدد 15 سنة لمتهم والسجن 3 سنوات لآخر وبراءة ثالث فى إعادة إجراءات محاكمتهم فى القضية المعروفة إعلاميا بـ”أحداث فض اعتصام النهضة”.

كما قضت المحكمة بإلزام المتهمين مع آخرين سبق الحكم عليهم بدفع 137 ألف جنيه قيمة ما أتلفوه بحديقة الحيوان، ودفع 2 مليون و972 ألف جنيه، قيمة ما أتلفوه بحديقة الأورمان، ودفع 10 ملايين و903 آلاف جنيه لمحافظة الجيزة.

الواقع الآن

بينما تنتظر أسر الشهداء الذين قتلوا قبل أربع سنوات، في فض اعتصام القيادة تقديم الآمرين بها، ومفذيها للعدالة، لا تزال لجنة التحقيق لم تصل لمرحلة كتابة التقرير ناهيك عن رفعه. كما أن هناك آلاف الجثامين التي تنتظر إكرامها بدفنها بعد إكمال إجراءات طبي عدلي موثوق به.

ولرئيس اللجنة دفوعاته، ولمعارضيه أيضاً دفوعاتهم. لكن  استمرار الوضع كما هو يعطي انطباع بأن جهات عديدة تنتظر الحل البايولوجي بوفاة بعض المشتبه بهم. وكانت أسرة اللواء العبيد طالبت أكثر من مرة بتقديمه للمحاكمة حتى ولو أدت للحكم عليه بالإعدام بدلاً من تركه هو ورفيقه هكذا بدون محكمة أو إطلاق سراحه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى