اِخْتِصاصِيّ طب شرعي مشهور يكشف المستور في مِحنة الجثامين لـ”التيار” ويتحدى

اِخْتِصاصِيّ طب شرعي مشهور يكشف المستور في مِحنة الجثامين لـ”التيار” ويتحدى
عقيل سوار الدهب: بعض الجثامين وضعت في درجات حرارة عالية و”كاونترات” حتى سالت منها الدماء
سأكشف من الذي كان يستثمر سياسياً في جثمانين الأحبة من أبناء وبنات الوطن في أصعب اللحظات وأصدقها
لجنة فقيري منعت تشريح الجثث ودفنها
مدير الطب العدلي يتحمَّل المسؤولية وهو “هارب” حالياً
أصحاب الغرض في أزمة الجثامين قدَّموا السياسة على الأخلاق
بعد الاعتصام ومنذ 2019 استقبلت مشرحة بشائر الشهداء الأشراف
الجثث مكدَّسة بمنتهى الفوضى وعدم احترام الموتى في أقل درجة من الأخلاق والمهنية
لجنة الجثامين الأولى كانت تعمل بكفاءة عالية وحدثت الكارثة بعد حلها
هذا الوطن لا يوجد به رجل رشيد ليخرج الأمة السودانية من مستنقعها وتدهورها السياسي
حوار: صديق دلاي
كلما قصدت البروفسور عقيل سوار الدهب أفكر كيف أتجنب خطورة المكان وأنا بجوار مكتبه الأنيق وهو يتحدث برومانسية عن وطنه و دوره في ثورة ديسمبر المجيدة يتناول الزبادي ويقدم لي القهوة والشاي وأنا أفكر من هم وراء المكتب وأحيانا أتناول دفقة هائلة من رائحة الموت.
وجدته هذه المرة بين الرضا والغضب عائدا للتو بعد إقالة عمرها عامين صال وجال بين القنوات والمؤتمرات الصحفية يصدح بالحق كيفما كانت المشكاة مسموحاً بها وفي ذلك النهار زرنا بمعية ضيف ثالث عنابر مستشفى بشائر وحدثني عن قصة الطبيبتين اللائي جئنه بمبادرة الأكياس الأممية لتنظيف المشرحة والجثث وقد كان.
كان رأيه واضحاً وشجاعاً في تعريف الأزمة ورفع السبابة لمن تسبب في تخريب أخلاق المهنة في أزمة تاريخية مع تكدس الجثامين وأضاف سطرًا مهماً (حتى اتصل بي الأصدقاء من هيئة الطب الشرعي في المنطقة العربية وطلبوا تقديم المساعدة فأوضحت لهم الأمر واعتذرت لهم بكوننا قادرين وما حصل لا علاقة له بعملنا في الطب الشرعي، بل هي أزمة سياسية بظلالها القاتمة.
هذا حوار كبير من جزئين ويجب أن نطالعه بكل مآلاته لنعرف ماذا قال..
× نرجع لموضوع قديم سيظل مثيراً للجدل؟
– تفضَّل.
× قصة الجثامين المكدَّسة في المشارح السودانية؟
– بعد الاعتصام فوراً ومنذ 2019 استقبلت مشرحة بشائر الشهداء الأشراف.
× نعلم ذلك ولكن لماذا التكدُّس؟
– استقبلنا عائلاتهم المكلومة والأمهات الثكلي وكان مشهداً مهيباً.
× لماذا تأخرتم في الدفن؟
– بالعكس أول 59 جثماناً خرجت أجسامهم من هذا المكان وكل العمال هنا والفنيين والأطباء كانوا شهوداً على دماء طاهرة.
× متفقون حول الشهداء مكانة ونبلاً وتجرداً ولكن؟
– ضحوا بدمائهم وأرواحهم الغالية ولكن ظل الوطن جريحاً مكلوماً وضائعاً بين رغبات السياسيين.
– × وبعد ذلك كيف تفسِّر تكدُّس الجثامين بهذه الطريقة التاريخية في البلاء والمحن؟
– أقول ليك بصراحة إن هذا الوطن الكبير لا يوجد به رجلاً رشيداً ليخرج هذه الأمة من مستنقعها وتدهورها السياسي والثقافي والاجتماعي والأمني.
× شئ مؤسف؟
– إلى أن وصلنا إلى هذا الدرك الأسفل في كل شئ من شؤوننا وقبل أيام مررت مروراً بالقصر الجمهوري أسأل نفسي حيراناً, أين الزعيم الأزهري وأين الشريف حسين الهندي وأين المحجوب والميامين الأخرين والكرام.
× نحن أبناء اليوم ولدينا أزمة وطن؟
– قلت لك لايوجد بيننا رجل رشيد.
× كان لديك تصريحاً مؤسفاً وأنت تؤكد بأن جثامين شهدائنا الأشراف تأكلها الجقور؟
– نحن لدينا العدد موثق بـ59 جثة وكانت كل التلاجات تعمل بكفاءة عالية وتم تشكيل لجنة من النائب العام لهذا الغرض برئاسة 2 من وكلاء النيابة.
× من هما؟
– محمود سيد ومولانا علي خليفة ومعهم وكيل نيابة المنطقة.
× تتحدث عن إجراءات 59 جثة فقط؟
– نعم هذه حقيقة.
× كل شئ تم بمهنية وهدوءاً؟
– نعم.
× ثم حصلت الكارثة؟
– نعم، حصلت الكارثة حينما تم حل هذه اللجنة الموقرة وتم استبدالها بلجنة أخرى فعلت ما فعلت.
× لماذا فعلت كل هذه الماسأة؟
– بسبب رؤية سياسية خبيثة وبمنظور غير مهني.
× ماذا فعلوا بالضبط؟
– منعوا تشريح كل هذه الجثث وبالتالي منعوا دفنها.
× وقبل هذه اللجنة كان كل شئ داخل المشارح طبيعي؟
– مثلاً في مشرحة أم بدة وحتى 25 سبتمبر كانت الجثامين تخص مجهولي الهوية وكبار السن والأطفال حديثي الولادة.
× من هم أعضاء اللجنة الذين أتوا بعد حل لجنتكم؟
– هاشم فقيري والطيب العباس.
× ولكن دكتور هاشم فقيري طبيب تشريح؟
– هكذا يسمى.
× ماذا تقصد؟
– أقصد أنه كان أقلهم خبرة و دراية.
× من الذي عينهم بديلاً لكم؟
– تاج السر الحبر.
× أين الدكتور فقيري حالياً؟
– هرب خارج البلاد.
× تعرف مكانه؟
– قالوا متحرِّك ما بين القاهرة و نيروبي.
× تفاجأت بحجم الماسأة؟
– حتى اليوم.
× وما هو حكم القضاء والنيابة؟
– أنت تقولها كما ينبغي فهذه مسألة تخص النيابة.
× تفاجأ الشعب السوداني بجثث أبنائه في مشرحة التميُّز في منتهى الإهمال؟
– منتهى الفوضى وعدم احترام الموتى في أقل درجة من الأخلاق والمهنية.
× من المتهم؟
– المسؤل طبعاً هو مدير هيئة الطب العدلي هاشم فقيري.
× شئ غريب التعامل مع الجثامين بهذا الإهمال؟
– تم حفظ الجثامين في ثلاجات بدرجة حرارة عالية وأحياناً وضعت خارج المشارح في كاونترات حتى سألت الدماء من تلك الجثامين.
– × لماذا أثيرت قضية جثمان الشهيد ود عكر بشكل خاص؟
– ود عكر أحد النبلاء وسينكشف أمر أؤلئك بالقوانين ذاتها والعدالة قادمة لا محال.
× نحكي التفاصيل؟
– ليس الأن والتحري فيه كل الحيثيات.
× أين أطباء السودان في الطب الشرعي لتوقيف هذه الفوضى والماسأة؟
– يوجد في السودان أطباء شرعيين في منتهى المسؤولية والتجرُّد والمهنية ولكن الأزمة مع جثامين عهد فقيري لها علاقة برؤية سياسية.
× وكذلك يوجد أطباء شرعيين بدون كفاءات؟
– (ما عايز أقول الكلام دا)
× وماذا تريد أن تقوله بالضبط؟
– السياسة تعمي الناس؟
– بمعنى؟
– بمعنى أن أصحاب الغرض في أزمة الجثامين قدموا السياسة على الأخلاق.
× نحكي كل التفاصيل؟
– “لا معليش”.
× لماذا تبخل بقول الحقيقة؟
– لديَّ مواقيتي التي أعرف أن أقول فيها كل شئ.
× متى؟
– بل قل لي أين.
× أين؟
– أمام القضاء مع عودة فقيري الهارب.
× في المحكمة؟
– حينما نجلس أمام العدالة لكشف كل المستور.
× عندك إصرار لتقول كل ذلك أمام العدالة وفي المحكمة؟
– لابد أن نجلس معه في ميزان العدالة.
× واضح جداً (معك معلومات مهمة)؟
– لابد أن يقول القضاء كلمته في هذا الأمر.
× سنعرف الحقيقة في ذلك الحين؟
× بكل تأكي.
× نريد فقط عنوان لتلك الخبرية الصادمة مع التأجيل؟
– ستعرفون من الذي كان يستثمر سياسياً في جثمانين الأحبة من أبناء وبنات ورجال هذا الوطن في أصعب اللحظات وأصدقها.
× الاستثمار السياسي هو سر تكدُّس الجثامين؟
– ما حدث من تكدُّس يمثل أكبر أزمة أخلاقية في العالم.
× (قلت عالمية) هل وصل الأمر إلى ذلك الحد؟
– أنا رئيس الطب العدلي على مستوى العرب وهناك من اتصل بي يعرض علينا المساعدة فقلت له نحن قادرين على كل شئ ولكن للأزمة عنوان أخر.
× أخبرته بكل شئ؟
– قلت له بصراحة إننا وبعد قرارات كثيرة سيادية ونيابية لم نصل لحلول جذرية لأنها دائماً تصطدم بالمستثمرين في وضع الجثامين المأساوي.
× حتى قرارات السيادي فشلت في وضع حد لذلك الاستثمار السياسي؟
– نعم، حتى قرارات السيادي الذي قام بتكوين لجنة من أعلى المستويات في الدولة لم تنجح في إبعاد المستثمرين في الجثامين أو في إصلاح الحال اللا إنساني.
× ولكن لابد من مخرج؟
– هذا ما حصل فعلاً بمحاولة جادة من وزير الصحة الدكتور هيثم وبمجهود الأطباء الشرعيين بعيداً عن تلك اللجنة قمنا بترتيب الجثث.
× احكي إذن الأخبار السارة؟
– الأخبار السارة وراءها طبيبتان شرعيتين كان لهما الفضل في ترتيب الجثامين ووضعها في أكياس مخصصة ومهداة من جهة أممية مرقمة ومرتبة وكل الأوراق الثبوتية موجودة وأورنيك 8 وأمر التشريح.
× طبيبتان هزمتا الانتظار الغريب؟
– نعم.
× من المسؤول بشكل أساسي؟
– طبعاً ببساطة, المسؤول آنذاك هو رئيس هيئة الطب العدلي بالسودان.
× من هو؟
– هاشم فقيري هو المسؤول الأساسي عن هذه الكارثة.
× من الذي يقول ذلك غير القضاء؟
– لجنة المفقودين تقر بأن فقيري هو السبب الأساسي.
× أين وزارة الصحة الاتحادية من هذه الكارثة؟
– وزير الصحة الاتحادي لديه رؤية ثاقبة تتمثل في أن هذه المشارح يجب أن ترتب ترتيباً جديداً وهذا الوضع المأساوي يجب أن يزول وينتهي.
× هل مستعد لتوفير كل الإمكانيات؟
– كان سخياً في كل شئ لتوقيف الماسأة بدأت بالاجتماعات.
× كان خبر قدوم أطباء شرعيين من الأرجنتين مربكاً ومحيِّراً؟
– فليأتي من يأتي لأن أزمة الجثامين لا علاقة لها بالخبرة في مجال الطب الشرعي والعدلي والتشريح.
× ليأتي من شاء؟
– حتى ميسي لو جاء أهلاً وسهلاً به لأن القضية لها علاقة برؤية سياسية.
× قدوم فريق من الأطباء الشرعيين إلى الخرطوم فيه استفزاز لكم؟
– نحن نعرف من وراء هذه الخطوة لذلك نكتفي بالضحك والأسف.
× كيف تصف الموقف الحالي؟
– بعد كل المجهودات هناك ثلاث مشارح الوضع فيها كارثي.
× والجقور؟
– اختفت بحمد الله وبفضل طبيبتين.
× عدت إلى مشرحة بشائر بعد عامين من الإبعاد؟
– وأسعى لدفن الموتى بالبروتوكولات العالمية ومستصحباً معي قرارات ورؤية النيابة العامة والأدلة الجنائية والتحري ومسرح الحادث وكل الأوراق الثبوتية.
× هذه أخبار جيِّدة؟
– ثم دفنهم بواسطة لجان وفقاً لما تقتضيه النظم الإدارية بهيئة الطب العدلي لأنها المسؤولة عن المشارح.
× هل الفنيون متوفرون؟
– جداً جداً.
× ولكن ما هي أهمية الجثث سياسياً؟
– أولاً يجب أن نثبت أنه من العيب أن نفكر بالاستفاد من الجثامين سياسياً ثم ندعو عليهم وأنه سيكون أمره مع الله.
× ومتى نهاية هذه الأزمة كلياً؟
– بالعقلاء لابد أن يحدث إجماع مطلوب لإنهاء هذه الأزمة ولابد من الاتفاق بحقوق الموتى علينا وأن تكون حقوق محفوظة دائماً وأبداً.
× قلت إن الأطباء الشرعيين العرب معهم علم بهذه الماسأة؟
– وطلبوا مني بصفتي رئيس اتحاد الأطباء العرب الشرعيين أن يقدموا لنا مساعداتهم ووصفوا لي أسفهم العميق من كل الأطباء الشرعيين العرب بما حصل لدينا وطلبوا مني بوضوح إرسال خطاب معنون لهم للتدخل والمساعدة فاعتذرت لهم وأخبرتهم بأننا قادرين على كل شئ من ناحية الطب الشرعي والعدلي ولكن الأزمة سياسية.
× أخبرتهم بوضوح؟
– وقلت لهم بأننا نعرف جيِّداً أن نواري سوءة موتانا على أكمل وجه.
× في هذه المقابلة قلت كلاماً خطيراً؟
– (وما سائل في أي زول) وأخلاق المهنة وتاريخي يجبرني على قول كل الحقيقة فهذه قضية معقدة وشائكة وتاريخية.
× كلنك قلت بعض الحقيقة في انتظار المحكمة وكلمة القضاء؟
– لو استدعاني القضاء سأتحدث وسأقول ما لم يقله مالك في الخمر وما شاهدته في التشريح.
× من ناحية أخرى تم إطلاق سراح المتهم في قضية أديبة؟
– لا علاقة لي بهذا الأمر وقمت بالتشريح كما ينبغي وسلَّمته الأجهزة العدلية بعد ذلك يهرب ثم يقبض عليه هذا شأن أخر.
× أنت زعلان جداً من هاشم فقيري؟
– هذا زعل مهني فقد أهان الجثث وحرمها من المواراة كما ينبغي وكسر حاجز القسم والأمانة وفعل ما فعل وبيننا القضاء مع هذا الطبيب وزمرته.
× ربما ظلال الأزمة السياسية ظاهرة في أزمة الجثث؟
– هذا فعلاً أكبر تدني سياسي شهدته بلادنا العزيزة.
× هل وراء الاستثمار السياسي حزب معيَّن؟
– لا علم لي بذلك.
× عدت حالياً لبشائر؟
– بل، عدت كرئيس للمجلس الاستشاري للطب الشرعي في السودان وبالعمل معهم في هيئة الطب العدلي وأستطيع أن أقول إجمالاً بشجاعة الدكتور هشام زين العابدين.