إيقونات في الوجدان القومي

كتب: محمود القرشي
وهنالك من يقول أن “مزاجاً نخبوياً” حدد لمصطفى خارطة ضيقة من المستمعين ليس أدل على نفي ذلك و بكل سهولة ؛ من أن مقاطع أغنياته سافر بها السودانيون لكل مكان ، بمختلف مشاربهم و مِهنِهم ودرجة تعليمهم ، هم من أحتفوا بغنائه وبِهِ ، و حملوا أمنيات وعبء الحبيبة “الوطن” بكل تجرد وصدق معه ..
كتبوا “الحزن النبيل” و “عم عبد الرحيم” كمشروع حلم فسيح على ظَهرِ نيساناتهم ، وحفظوا وصاياه عن ظهر قلب .
كان مصطفى معهم خطوة بخطوة ، في الراديو و أشرطة الكاست ، دفاتر صباهم الباكرة ، وخط الحبيبة الأولى المتعثر الخجول كتبت ليك _ والله_ يا قمر الزمان و “كان نفسي في داخلك أعاين” كان “مُشمّعاً” في بابِ غالب حافلات النقل العام منتصف التسعينات .. الباب المُقابل للكمساري ، تلك الصورة الواسعة الإنتشار وهو يبدو فيها بشارب عظيم و شعر رأس مُخنفَس يُجاري موضة كل زمان .. و تحتها كلماته المُغناة رُسلاً تترى _ ولا تنقطع عن الأرض ، تبحث عن إتمام مكارم الوطن والمواطن ، و حمائم تُحلِّق بحثاً عن سلام . عليه السلام
عند منتصف بوابة التسعينات .. كانت الأيام رتيبة حتى ظهر محمود ..و تدفق شلال الأشرطة المُفرحة .. ” حكى لي صديقي بأنه كان يقتطع من مصروفه المدرسي و حصالة ذلك شراء ألبوم محمود .. قال إنه يقف صفاً طويلاً كي يظفر بالشريط و معه صورة لمحمود .. و صديقة أخرى إمتلأ حائط دولابها بصور الجان فأتجهت “للسرير” .
كان السودان مكتئباً حتى لاح محمود و سارت أغنياته لكل مكان .. يأتيك صوته من ” بانسونيك ” عتيق الصُنع في دكان في آخر سوق ” واو ” ؛ يخرج إليك من مسجل ” برينسة ” متجهة نحو سوق القضارف الكبير . ينهض صوته و تلاحقك موسيقاه في كل كافتريا و من معظم حافلات النقل العام ..
كان صوت محمود مضاداً للأكتئاب و باعثاً للتفاؤل .. كان ترياقاً و ملاذاً لكل الشباب من سموم و ترهات دولة التمكين الغابرة .
في السودان مجموعة من المشاهير من مختلف المجالات و لكن لم تتحق أشراط النجومية إلا في ذلك الفتى الأسمر النحيل بصوته الواثق المُعتد القوي الطروب.