إغلاق الخرطوم…

حديث المدينة الخميس 6 أبريل 2023
ضحك رواد مواقع التواصل الاجتماعي أمس من محاولة إغلاق الخرطوم التي كانت تهدد بها بعض الجهات السياسية ذات الغطاء المجتمعي.. كانت الصور المنتشرة تظهر بضع شباب قلائل حول لافتة واحدة مكتوب عليها “الاغلاق الشامل” ويتندر البعض قائلاً أين هو “الشامل”، بينما في مكان آخر بضع شباب أصغر عمراً يتحلقون حول “لستك” محترق.. وفي نهاية اليوم كان “اغلاق الخرطوم” مجرد نكات و طرائف يتسلى به الشامتون من الفكرة وأصحابها..
لكن على الرغم من السخرية التي قابل بها الكثيرون هذا الأمر إلا أنه في الواقع تطور دراماتيكي خطير.. و تحوّر جديد في فيروس السياسة قد يدخل السودان في عواقب مآلاتها مدمرة للوطن كله.. فالعبرة ليست في تنفيذ “اغلاق الخرطوم” بل في دخول هذا المصطلح إلى الملعب السياسي..
حتى الآن “اغلاق الخرطوم” ليس إلا عملاً إعلامياً يقصد به التهديد بسلاح نوعي جديد، وفي مثل مرحلة التهديد الأولية هذه تبدو المسألة أقرب إلى التجارب النووية التي تسبق تصنيع القنابل النووية الحقيقية بكميات حربية قادرة على الدمار الشامل، و لئن كان “اغلاق الخرطوم” اليوم مجرد نكتة تضحك رواد مواقع التواصل الاجتماعي فإن إنتاج الحدث بصورة أكثر جدية وتاثيراً أمر يرتبط بتداعيات الأوضاع لا أكثر.. غداً ستكون الجموع المحتشدة أكثر، والغضب أكبر، و المال لتنفيذ الوعيد أوفر، فتتحسن قواعد اللعبة، لعبة”اغلاق الخرطوم” لتصبح فعلاً معارك شبه عسكرية قد تصل مرحلة الاشتباكات والصدامات الأهلية..
من الحكمة النظر بذكاء للأزمة السياسية وتفريغ الشحنات الكامنة فيها أكثر من تشجيع اللاعبين على تحسين قدراتهم التدميرية.. فالحكمة تقول :
كل الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر..
ومن يحاول إغلاق الخرطوم اليوم سيمنح آخرين فكرة إغلاق مدينة مدني والفاشر و كادوقلي وسنار وكسلا.. فالفكرة السيئة مثل الفايروس تنتقل بسرعة تحمل معها القوة الفتاكة المدمرة..
من الحكمة النظر لكامل الملعب السياسي بعقلية الحل، فالمعركة الدائرة حالياً بلا منتصر ، ولكن إذا تعقل الوالغون فيها فإن الفوز كاف ليكون من حظ الجميع..
في تقديري المسألة السياسية سهلة الحل، فهي –لسوء ولحسن الحظ معاً- لا تبعد كثيراً من لعبة الكراسي التي كنا نمارسها في الطفولة، الجميع يبحثون بنهم عن الكرسي، والجميع يخشون من لحظة السقوط عند توقف إيقاع الموسيقى والهرولة نحو الكراسي..
من الحكمة أن نصمم انموذجاً سودانياً للحكم يتخطى المصطلحات العقيمة التي ظل ملعبنا السياسي يدمنها بلا طائل و يوجد فكرة جديدة لإنتاج مفاهيم سياسية سودانية للحكم تسمح للجميع أن يرضى بالقسمة والنصيب.. فيكون للسياسي فرحتان، فرحة إذا فاز وأخرى إذا خسر.. ففي الحالتين هو فائز..
لا تضحكوا من فشل فكرة “اغلاق الخرطوم”.. فسيشجع ذلك مبتكريها لتجويدها والعودة اليها.. والأثر النبوي الشريف ينص أنه إذا حاول أحدهم خرق قاع السفينة فإن أمسك به الآخرون نجا ونجوا وإن تركوه غرق وغرقوا..