تحقيقات

 أطفال الضياع ؟

الحلقة الأولى

 مدير تعليم الأساس: تسرُّب الأولاد أكثر  من البنات لعملهم بالأسواق والأماكن الهامشية

مسؤول تنفيذي:  قلة ذكاء  بعض التلاميذ  تقودهم إلى ترك المدرسة

 أمين عام مجلس الطفولة: بسبب الضائقة المعيشية   بولاية نهر النيل التحق معظم الطلاب بمناطق التعدين

قيادي تربوي:  التسرُّب يؤدى إلى الانتهاكات  والتحرُّش الجنسي وانتشار المخدرات

مقالات ذات صلة

تلميذ: تخليت عن تحقيق  حلمي بأن أكون مهندساً   كهربائياً وبات طريق العودة للتعليم صعباً 

خبير تربوى: تدهور التعليم بالسودان بسبب الحكومات المتعاقبة

طالب: بسبب  الضرب وسوء المعاملة  تركة المدرسة وصرت صبي نجار

ما بين عجز الأسرة  وتهاون السلطة  وبحثاً عن حياة معيشية كريمة  بدلاً عن الفقر المدقع اختار هؤلاء التلاميذ الصغار الابتعاد عن مرارة الحاجة والرغبة المميتة وانخرطوا في كواليس الأعمال الشاقة  بمناطق التعدين والأسواق  والمصانع، وصاروا رهينة الشوارع الشرسة حتى رمى بعضهم بأنفسهم  في  أيدي أصحاب النفوس الضعيفة، دافعين ضريبة باهظة الثمن بترك دراستهم  والمدرسة، وتحطمت أحلامهم في طريق الضياع تحت أعين وفرجة السلطات، وبين هذا وذاك كيف رضخ الأب والأم للموافقة  بترك أبنائهم  لمقاعد الدراسة  من  أجل مساعدتهم  في سد رمق العيش  تجنباً لآلام الفقر. كل هولاء التلاميذ الصغار سنتابع قصصهم ومآسيهم وحسراتهم خلال التحقيق  التالي.

تحقيق :حفيظة جمعة

لم يتحمَّل الطفل الصغير بهاء الدين الوضع الذي كانت تعاني منه والدته المريضة  بعد هروب والده من المنزل وتركهم لوحدهم يواجهون شظف الحياة القاسية،  هم خمسة أبناء حمل ثقيل على امرأة وحيدة  اضطرت  أن تذهب لتطرق  أبواب المنازل بحثاً عن عمل حتى  تجلب  الطعام  لأطفالها الجياع، تأزم  الوضع وصار صعباً  عليها لم تتمكن  والدة بهاء من تحمل المشقة نسبة لمرضها مع ارتفاع الأسعار وزيادة تكاليف العلاج  ورسوم الدراسة  .

ترك المدرسة  الحياة أجبرت  بهاء الدين  أن يترك دراسته وأصدقائه بالصف  السابع،  فخرج من ولاية الجزيرة  بحثاً عن عمل  بالخرطوم   لأنه لا يستطيع أن يرى  والدته  بهذا الوضع  الصعب.  وقال لي عندما التقيته   بالمنطقة الصناعية بحري   بأنه  اعتزم الأمر وكانت أول خطوة  أن  يخرج من المدرسة بعد  أن كان على وشك الدخول في   امتحانات مرحلة الأساس  والالتحاق  بالمرحلة الثانوية  ولعدم سداد الرسوم   والتكلفة الباهظة  خرج  مكسور الخاطر   وكان لديه هدفاً  واحداً  أن يساعد والدته في تربية إخوانه الصغار  حتى لا يكون مصيرهم مثله، ترك التعليم والدراسة وضياع مستقبلهم،ويضيف  بهاء  عندها شددت الرحال بحثاً عن عمل بدأت بغسل السيارات ثم انتقلت إلى المنطقة الصناعية بحري وواجهتني الكثير من المشاكل والتحديات إلى أن تمكنت من العمل صبي  بإحدى الورش  وصرت أتحمَّل  مع الوالدة  عبء  المعيشة،و تخلى  بهاء عن تحقيق  حلمه أن يكون مهندساً   كهربائياً وبات طريق العودة للتعليم صعباً عليه ليس لديه خيار  لايوجد من يساعد أمه  في ظل  ارتفاع تكاليف الرسوم  الدراسية.

 الضرب في المدرسة

القصص كثيرة وفظيعة عاشها أطفال صغار  ضاعت منهم أحلام الطفولة البريئة     حكاية مأسوية أخرى  ضحيتها  تلميذ  وجد معاملة سيئة بالمدرسة وبسبب تلقيه ضرباً مبرحاً من الأستاذة، أصبحت فيما بعد من الأسباب  المقنعة التي أخرجته  من الدراسة  وصار  عاملاً  بإحدى ورش النجارة.

آدم النور، طفل صغير  رغم أن منزله  في منطقة أم درمان   إلا أنه يأتي يومياً إلى المنطقة الصناعية بحري  بعد أن خرج  تاركاً دراسته   منذ عام، وقال لي بأنه كان يتعرَّض للضرب والإهانة من إحدى أستاذاته، وزاد بأنه لا يستوعب  جميع الدروس وشعر  بأن الأستاذ يرهبه ويخيفه  بالضرب ويعاقبه  على  أشياء  لم يفعلها  وأن  البيئة  غير مؤهلة  والفصول  مكتظة وناقصة لاتكفي الطلاب  وهي مختلطة مابين الأولاد والبنات  فصعب  عليه تحمل  الوضع  وعانى كثيراً  مع الضغوطات إلى أن هرب من المدرسة واختار العمل  بدلاً عن الدراسة،  وأشار بأن البيئة المدرسية  طاردة، لاتوجد حمامات كافية  والمتوفرة تقليدية  وقليلة متهالكة، منهارة بسبب الأمطار لاتكفي  جميع تلاميذ المدرسة، وأنه كان ينتظر   نهاية الدوام للذهاب إلى المنزل من أجل تناول الإفطار وذلك لعدم وجود  بوفيه  في المدرسة. وقال بأنه لايستطيع الرجوع إلى  المدرسة نسبة لحالة الغلاء والرسوم الدراسية  المكلفة، وحالياً  أصبح لديه عمل ويمتلك  مصروفه الخاص دون اللجوء إلى أفراد أسرته.

 أوضاع طاحنة

من جانبها تقر لجان  المنطقة الصناعية بحري بدخول أعداد كبيرة من تلاميذ مرحلة الأساس للعمل بالمنطقة  بعد تسرُّبهم من المدارس وأرجعت ذلك للأوضاع الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها الأسر،  إضافة لزيادة الرسوم الدراسية الباهظة مما اضطر عدد من الأسر لإخراج أبنائهم للعمل والمساعدة في البيوت،  حيث تستقبل المنطقة الأطفال القادمين  من الولايات وأماكن النزاع والحرو.

تسرُّب الأولاد

وكشف مدير  الإدارة العامة للتعليم الأساسي بوزارة التربية والتعليم ولاية الخرطوم  دكتور محمد حامدنو البشير،   عن حالات تسرُّب بصورة كبيرة للأولاد مقارنة  بالبنات في الآونة الأخيرة ولجوء الأولاد للعمل بالأسواق والأماكن الهامشية  وذلك لمساعدة أسرهم، وأكد أن المناطق الطرفية داخل محليات الخرطوم تعتبر الأكثر  تسرُّباً للتلاميذ من المدارس ذلك لأسباب متعلقة بثقافة تلك المناطق إلى جانب الوضع الاقتصادي  الذي تعاني منه  البلاد وساعد في التسرُّب، وأكد  عدم وجود إحصائيات دقيقة، فهناك عمليات نقل  تحدث وتعتبر تسرُّباً، لافتاً  إلى أن مانشر من قبل  عن إحصائيات  لعمليات التسرب ليس صحيحاً لأنها

أقل من ٥% من  النسب الحقيقية.

عدم استقرار الحكومات

وأضاف كذلك عدم الاستقرار  بمناطق الحروب  أدى إلى تسرب تلاميذ المدارس  وذلك لعدم أمان المنطقة  في ظل الظروف الاقتصادية. وقال عبد الوهاب  العشاي، صاحب ورشة بالمنطقة الصناعية بحري:  إن التعليم أصبح مكلفاً وهناك مشاكل كثيرة تواجهه، وأن الدولة لم تتمكن من حل تلك المعضلة وبات آخر همها التعليم وتحسينه،فصارت مشكلة التسرُّب تزداد بصورة مستمرة  لسوء الوضع المادي والفقر المدقع الذي تعانيه الأسر لجأ أبنائها تاركين الدراسة والالتحاق بالعمل   من أجل مساعدة أسرهم البسيطة وحتى الطلاب الذين التحقوا بالمدارس الصناعية لديهم الكثير من المشاكل والتحديات لعدم اهتمام الدولة بالمدارس والمراكز الصناعية القليلة الموجودة والتي  لا تستوعب  الكم الهائل من الطلاب الراغبين في المساق الصناعي، فهناك الآلاف يتسرَّبون ويعملون بمهن هامشية وهناك من يتشرَّد ويتسوَّل على الطرقات.

 الضائقة المعيشية

رسم الأمين العام لمجلس الطفولة دكتور عبد القادر عبدالله، صورة مسودة على وضع التعليم بالبلاد، وتأسف للحالات المرتفعة من تسرُّب   التلاميذ  بالبلاد  قائلاً:   شاهدت بعض الولايات  بسبب الضائقة المعيشية والوضع الاقتصادي، منها  ولاية نهر النيل مدينة الدامر التي خرج معظم طلابها من المدارس للعمل بمناطق التعدين، حيث أصبح الفصل  به (١٢) تمليذاً فقط، بدلاً عن (٦٠) طالباً، وهم يتعرَّضون لمخاطر الزئبق الذي أدى  إلى ظهور حالات من السرطانات،  وأيضاً ولاية الجزيرة بعض مناطقها بها حالات كثيرة للتسرُّب وفرغت الفصول التي أصبح عدد طلابها لا يتجاوز(٩) تلميذاً، لافتاً إلى أنه نتيجة  للنزاعات والحروب إضافة للضائقة المعيشية  التي تعاني منها الأسر وحالات الجوع  والتقزم  الذي يحدث  للأطفال و عدم حسم المشاكل والصراع الاجتماعي  جميعها مؤشرات خطيرة أدت إلى ظاهرة التسرُّب من المدارس وضرب مثلاً بما حدث في لقاوة والدمازين،  هناك أطفال  يحتاجون لتدخل عاجل جراء الاضطرابات والنزوح  ولم يتوقف الأمر على تلك المناطق،  بل توجد ولايات كثيرة عانت من مشاكل التسرُّب.  عمالة الأطفال

وواصل حديثه قائلاً بأن هناك حالات  كثيرة لعمالة الأطفال الذين يتسرَّبون من المدارس للعمل  الشاق  لذلك تم إجراء مسوحات على مستوى ولاية الخرطوم  وجد أن  أكثر من (٤) آلاف  طفل، يعملون بالدرداقات في سوق ليبيا  فقط غير الأسواق  الأخرى، المركزي، والشعبي،  والمناطق الصناعية،  وقال: هولاء الأطفال يعملون منذ الصباح وحتى المساء وهم في حالة  يرثى لها   في مواجهة المشاكل والمضايقات والعنف والتحرُّش  الجنسي،  كما يوجد أطفال يعملون بعربات النفايات وهم عرضة لمخاطر كبيرة جراء ذلك العمل الشاق، ومن أجل حل تلك القضية  أنشأت الشرطة المجتمعية من الأمن  والبوليس ورعاية الطفولة  لوضع النقاط على الحروف ولأخذ هولاء الأطفال  المتشرَّدين  إلى الدور المخصصة لهم وتقديم الرعاية الاجتماعية المناسبة إليهم.

 انتهاكات ومشاكل

وكشف الأمين العام لمجلس الطفولة أن التسرُّب يؤدي  إلى انتهاكات  كثيرة ومشاكل جمة يتعرَّض لها الطفل منها التحرُّش الجنسي والعنف الجسدي وانتشار المخدرات، حيث أصبح  الأطفال عرضة لأصحاب النفوس الضعيفة الذين   يقومون باستغلالهم لتوزيع المخدرات،وقال التسرُّب جريمة  ووصفه بالقنبلة الموقوتة، وأكد أن تبعاته ستكون خطيرة ما لم تنتبه له الدولة بصورة صحيحة لجهة أنه   لا تستطيع  أي منظمة حل مشاكل التسرُّب ويجب إطلاق صافرة الإنذار،  لأن هذه الجريمة سيكون تأثيرها لمدة عشرين عاماً، وقال: إذا ضربنا مثالاً    يوجد حوالي ( ١٨ مليون طفل) بالبلاد فهناك على الأقل حوالي (١٤) مليون  طفل سيكونون  لقمة سائغة للمخدرات والجريمة  المنظمة، وربما يصل الأمر من  صغار المجرمين إلى كبار المجرمين  أن لم يتم تدارك المشكلة جيِّداً  ويقود الأمر إلى مافيا في أفريقيا،  فالتسرُّب  قضية دولة  ومسألة أخلاقية من الدرجة الأولى. وزاد:  يعاني الأطفال من انتهاكات  كثيرة  وعنف خطير في مناطق التعدين والأسواق  والشوارع  وصل في الفترة من  فبراير وحتى مايو 2022م أكثر من ألف حالة انتهاك تعرَّض لها الأطفال.

في ظل  ارتفاع نسبة التسرُّب بولاية الخرطوم التي  تأثرت  بالحروب والنزاعات وقدوم أعداد كبيرة من اللاجئين والنازحين  إليها.

 تدهور التعليم بالبلاد

فيما  دق الخبير التربوي الهادي السيد عثمان، ناقوس الخطر بسبب  تدهور التعليم بالسودان، وقال:  بعد أن كان ذا قيمة تفخر به البلاد وكانت الإشادة   تأتي بخريجي  الجامعات خارجياً  في جميع المجالات التي  يشغلونها لكن  للأسف أخذ التعليم يلفظ أنفاسه الأخيرة بالتدهور منذ فترة ليست بالقصيرة وأصابه  الشلل و الملل خاصة في الأرياف  والقرى ومناطق الفقر،   ويضيف: “العوج شمل المعلم والطالب والبيئة المدرسية ” عجزوا جميعهم وعلى رأسهم والي أمر التلميذ الذي أصابه الإحباط بفقره وحاجته لمعيشته لعدم سداد تكاليف التعليم الباهظة سواءً أكان في الرسوم المدرسية أو من جانب توفير الأكل والعلاج واللبس    لذلك سئم  الأباء والأمهات ورضخوا  للموافقة بترك الأبناء يخرجون من الدراسة  من  أجل مساعدتهم  في سد رمق العيش  تجنباً للفقر، وأضاف بأن هذه الطريقة ساهمت في  تزايد التسرُّب والدولة لها دور كبير تفاقم الأزمة، إلى أن أصيب قطاع التعليم بالضربة القاضية الكبرى منذ العام 2019م، بسبب التلكؤ بما يجري في الساحة السودانية من صراعات زادت في إنهاكه سواءً أكان في الاحتجاجات الشعبية أو العطلات والإضربات وعمليات الإغلاق المتكررة  جميعها ساعدت في التسرُّب.

ونبَّه  إلى أن المنهج   بات ليس   محفزاً للتعليم   في ظل أن أغلب المدارس ليس بها كادر أو متخصص  وأن أغلب المواد تفتقد المتخصصين وأن المعلمين في الولايات  غالبيتهم متعاونين ويفتقد  الأساتذة  إلى التدريب.

وقال: هناك عوامل عديدة أضرت بالتعليم وساعدت على التسرُّب  ومنها وضع  المعلم نفسه وراتبه الذي لايكفي معيشته لأسرته،  وأكد أن المدارس أصابها الخلل في البيئة  وفي نقص الكادر المعلم والكتاب المدرسي ومتطلبات الطالب مثل الإجلاس ودورات المياه وأماكن الشراب والطعام وأشياء كثيرة جميعها دفعت الطالب وولي أمره للتشرُّد من الدراسة.

 خطر مجتمعي

أصبح التسرُّب  يمثل  خطورة على المجتمع  وحتى الذين يستمرون في دراستهم نجد أن هناك تدنٍ مخيف في جميع المستويات منذ الأساس وإلى المراحل الجامعية تدنٍ شامل  إلا من رحم ربي،  وقال: ما كشفته  منظمة اليونيسيف  من هذه الأرقام  المخيفة عن   التسرُّب من المدارس  ليس أمامنا سوى التصديق به   لأن ما نراه أمامنا يبرر  ما صرَّحت به اليونيسيف، لذلك لابد للدولة أن تضع ميزانية للتعليم حتى يجد للتعليم ما يحتاجه من بيئة وكتاب ومنهج سليم  يجاري حياة اليوم، لأن مشكلة السودان الأولى في  الاقتصاد.

المشاكل الاقتصادية

ويضيف مدير الإدارة العامة للتعليم الأساسي دكتور  حامدنو، أرى أن  مشكلة السودان الأولى هي الاقتصاد و الصعوبات التي واجهت السودان من تغيير الحكم لها دور سالب وقادت  التلاميذ  إلى ترك المدرسة وهناك ظروف خاصة متعلقة بقلة الذكاء  لدى بعض  التلاميذ  وتؤدي إلى ترك المدرسة   فضلاً عن عدم توفر المعينات  والمتطلبات

في المدرسة وأيضاً المشاكل الأسرية وعدم استقرارها يؤثر على التلاميذ    ويوجد  طلاب تأثروا  بأصدقائهم الذين تركوا المدرسة، كما لا أنسى العقوبات البدنية الشديدة  ومنها الضرب والعقوبات اللفظية  لذلك لابد للأستاذ أن يتعامل   بصورة مثقفة مع الطالب حتى تكون المدرسة ملاذاً آمناً للتلاميذ يجب أن يكون  المعلم واعياً لحالة وظروف تلميذه الذي  ربما يكون  يعاني من العديد من المشاكل والتحديات.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى